للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي رِوَايَتِنَا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، وَلِبَعْضِهِمْ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ وَهِيَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ، وَأَعْرَبَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ، وَأَشَارَ إِلَى تَسْوِيغِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: اسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) هُوَ كَلَامُ مَالِكٍ وَلَيْسَ مِنْ تَعْلِيقِ الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ. وَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُرُورِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُعَدَّ فِي الْكَبَائِرِ، وَفِيهِ أَخْذُ الْقَرِينِ عَنْ قَرِينِهِ مَا فَاتَهُ أَوِ اسْتِثْبَاتُهُ فِيمَا سَمِعَ مَعَهُ. وَفِيهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا اقْتَصَرَ عَلَى النُّزُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعُلُوِّ اكْتِفَاءً بِرَسُولِهِ الْمَذْكُورِ. وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَوْ فِي بَابِ الْوَعِيدِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ، لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ أَنْ يُشْعِرَ بِمَا يُعَانِدُ الْمَقْدُورَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(تَنْبِيهَاتٌ): أَحَدُهَا: اسْتَنْبَطَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَعْلَمُ بِالنَّهْيِ وَارْتَكَبَهُ. انْتَهَى.

وَأَخْذُهُ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ بُعْدٌ، لَكِنْ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى. ثَانِيهَا: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّ لَا بِمَنْ وَقَفَ عَامِدًا مَثَلًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَوْ قَعَدَ أَوْ رَقَدَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَارِّ.

ثَالِثُهَا: ظَاهَرُهُ عُمُومُ النَّهْيِ فِي كُلِّ مُصَلٍّ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ إِمَامِهِ سُتْرَةٌ لَهُ أَوْ إِمَامَهُ سُتْرَةٌ لَهُ اهـ. وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ تُفِيدُ رَفْعَ الْحَرَجِ عَنِ الْمُصَلِّي لَا عَنِ الْمَارِّ، فَاسْتَوَى الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي ذَلِكَ.

رَابِعُهَا: ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ - أَيِ: الْمَالِكِيَّةِ - قَسَّمَ أَحْوَالَ الْمَارِّ وَالْمُصَلِّي فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: يَأْثَمُ الْمَارُّ دُونَ الْمُصَلِّي، وَعَكْسُهُ، يَأْثَمَانِ جَمِيعًا، وَعَكْسُهُ. فَالصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سُتْرَةٍ فِي غَيْرِ مَشْرَعٍ وَلِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَيَأْثَمُ الْمَارُّ دُونَ الْمُصَلِّي. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَشْرَعٍ مَسْلُوكٍ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ أَوْ مُتَبَاعِدًا عَنِ السُّتْرَةِ وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَيَأْثَمُ الْمُصَلِّي دُونَ الْمَارِّ. الثَّالِثَةُ: مِثْلُ الثَّانِيَةِ لَكِنْ يَجِدُ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَيَأْثَمَانِ جَمِيعًا. الرَّابِعَةُ: مِثْلُ الْأُولَى لَكِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَارُّ مَنْدُوحَةً فَلَا يَأْثَمَانِ جَمِيعًا. انْتَهَى.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْمُرُورِ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا بَلْ يَقِفُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقَةِ، فَإِنَّ فِيهَا: فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ الدَّفْعَ لَا يُشْرَعُ لِلْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ، وَنَازَعَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّابَّ إِنَّمَا اسْتَوْجَبَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ الدَّفْعَ لِكَوْنِهِ قَصَّرَ فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى وَقَعَ الزِّحَامُ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الِاسْتِدْلَالَ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمْ يَعْتَذِرْ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ أَوْ فِيهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْعَ بَعْدَهَا فَلَا يَتَّجِهُ مَا قَالَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ بِعَدَمِ التَّبْكِيرِ، بَل كَثْرَةُ الزِّحَامِ حِينَئِذٍ أَوْجَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

خَامِسُهَا: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا قَصَّرَ الْمُصَلِّي فِي دَفْعِ الْمَارِّ أَوْ بِأَنْ صَلَّى فِي الشَّارِعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالْمُصَلَّى بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مِنْ دَاخِلِ سُتْرَتِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٠٢ - بَاب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي

وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ،