للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: لَنَقَضْتُ. . . إِلَخْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا نَسِيَ أَيْضًا أَوْ مِمَّا ذَكَرَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بِتَمَامِهِ، إِلَّا قَوْلُهُ: بِكُفْرٍ فَقَالَ بَدَلَهَا: بِجَاهِلِيَّةٍ، وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى عَنِ الْأَسْوَدِ، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلَفْظُهُ: قُلْتُ حَدَّثَتْنِي حَدِيثًا حَفِظْتُ أَوَّلَهُ وَنَسِيتُ آخِرَهُ وَرَجَّحَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ، وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ إِدْرَاجٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (بَابًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلِغَيْرِهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.

قَوْلُهُ: (فَفَعَلَهُ) يَعْنِي بَنَى الْكَعْبَةَ عَلَى مَا أَرَادَ النَّبِيُّ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْحَدِيثِ مَعْنَى مَا تَرْجَمَ لَهُ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَظِّمُ أَمْرَ الْكَعْبَةِ جِدًّا، فَخَشِيَ أَنْ يَظُنُّوا - لِأَجْلِ قُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ - أَنَّهُ غَيَّرَ بِنَاءَهَا لِيَنْفَرِدَ بِالْفَخْرِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ: تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ لِأَمْنِ الْوُقُوعِ فِي الْمَفْسَدَةِ، وَمِنْهُ تَرْكُ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي أَنْكَرَ مِنْهُ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَسُوسُ رَعِيَّتَهُ بِمَا فِيهِ إِصْلَاحُهُمْ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا.

٤٩ - بَاب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا

وَقَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ. أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟

١٢٧ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ) أَيْ: سِوَى قَوْمٍ لَا بِمَعْنَى الْأَدْوَنِ. وَكَرَاهِيَةَ بِالْإِضَافَةِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ قَرِيبَةٌ مِنَ التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ; وَلَكِنَّ هَذِهِ فِي الْأَقْوَالِ وَتِلْكَ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ مُوسَى كَمَا ثَبَتَ لِلْبَاقِينَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَعْرُوفٍ) هُوَ ابْنُ خَرَّبُوذٍ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مَكِّيٌّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَبُوهُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ عَوَالِي الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالثُّلَاثِيَّاتِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الرَّاوِيَ الثَّالِثَ مِنْهُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَوْلُهُ: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَسَقَطَ كُلُّهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِ بِتَقْدِيمِ الْمَتْنِ ابْتَدَأَ بِهِ مُعَلَّقًا فَقَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ. . . إِلَخْ. ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْإِسْنَادِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِمَا يَعْرِفُونَ أَيْ: يَفْهَمُونَ. وَزَادَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَعْرُوفٍ فِي آخِرِهِ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ أَيْ: يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا أَنْتَ مُحَدِّثًا قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِمَّنْ كَرِهَ التَّحْدِيثَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ أَحْمَدُ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَمَالِكٌ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْغَرَائِبِ، وَمِنْ قَبْلِهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْجِرَابَيْنِ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ، وَنَحْوُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَنْكَرَ تَحْدِيثَ أَنَسٍ، لِلْحَجَّاجِ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهَا وَسِيلَةً إِلَى مَا كَانَ يَعْتَمِدُهُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ بِتَأْوِيلِهِ الْوَاهِي، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي الْبِدْعَةَ وَظَاهِرُهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ مَطْلُوبٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.