فِي الْجَمْعِ أَحَادِيثُ نُصُوصٍ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَأْوِيلٌ، وَدَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، فَإِنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحَاجِّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَلَمْ تَتَقَيَّدِ الرُّخَصُ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِالنُّسُكِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنَ الْقَصْرِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ، وَرِفْقُ الْجَمْعِ وَاضِحٌ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ الْجَمْعِ لِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَمَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ إِلَى أَنَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
١٥ - بَاب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
١١١١ - حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ.
[الحديث ١١١١ - طرفه في: ١١١٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ) فِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَخْتَصُّ بِمَنِ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِهِ الْمَاضِي قَبْلَ بَابٍ، فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْجَمْعَ فِيهِ بِمَا إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ السَّيْرِ، وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهُمَا وَهُوَ رَاكِبٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمْعُ التَّأْخِيرِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَانِيِّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، لَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ، كَانَ أَبُوهُ وَاسِطِيًّا فَقَدِمَ مِصْرَ فَوَلَدَ بِهَا حَسَّانَ الْمَذْكُورَ وَاسْتَمَرَّ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ خَفِيفَةٌ، مِنْ ثِقَاتِ الْمِصْرِيِّينَ. وَفِي الرُّوَاةِ حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ آخَرُ لَكِنَّهُ حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ يَرْوِي عَنْ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَوَهِمَ بَعْضُ النَّاسِ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ هُنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنِ الْمِصْرِيِّينَ.
قَوْلُهُ: (تَزِيغُ) بِزَايٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْ تَمِيلُ، وَزَاغَتْ مَالَتْ، وَذَلِكَ إِذَا قَامَ الْفَيْءُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عُقَيْلٍ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ شَبَابَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ: حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (إِذَا زَاغَتْ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
١٦ - بَاب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
١١١٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: