لِكَثْرَةِ مَنْ تَابَعَهُ، لَكِنَّ يُونُسَ كَانَ مِنْ خَوَاصِّ الزُّهْرِيِّ الْمُلَازِمِينَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى التَّحِيَّاتِ لِلَّهِ، أَيِ: الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَكَأَنَّهُ ﷺ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ﴾ وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالصَّرْفِ عَمَّا يُرِيدُونَ فَيَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ. قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْيَمِينِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَتْ جَارِحَةً خِلَافًا لِلْمُجَسِّمَةِ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا.
وَالْكَلَامُ عَلَى الْيَمِينِ يَأْتِي فِي الْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا قَالَهُ شَيْخُهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي عُمَرَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ: يُقَالُ لِلْجَهْمِيَّةِ: أَخْبِرُونَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾؟ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِطَاعِ أَلْفَاظِ خَلْقِهِ بِمَوْتِهِمْ، أَفَهَذَا مَخْلُوقٌ؟ انْتَهَى. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ كَلَامًا فَيُسْمِعُهُ مَنْ شَاءَ بِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ مَخْلُوقٌ حَيًّا، فَيُجِيبُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ، وَكَلَامُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ: صَحَّ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ قَالَ: وَوَجَدْتُ فِي كِتَابٍ عِنْدَ أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْخَلْقُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ قَالَ: فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِوَحْيٍ إِلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ نَفْسٌ فِيهَا رُوحٌ إِلَّا وَقَدْ ذَاقَتِ الْمَوْتَ، وَاللَّهُ هُوَ الْقَائِلُ وَهُوَ الْمُجِيبُ لِنَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ فِي صِفَةِ الْحَشْرِ: فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ - كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا - طَوَى السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، ثُمَّ دَحَاهَا، ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثُمَّ قَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ: لِمَنِ الْمُلْكُ؟ فَتَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ اسْتِغْنَاءً لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ذَكَرَ أَنَّ الرَّبَّ ﷻ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ مُجِيبًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
٧ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾
وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ، وَعِزَّتِكَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وهو آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ، لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ ﷿: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.
وَقَالَ أَيُّوبُ: وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى لي عَنْ بَرَكَتِكَ.
٧٣٨٣ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الَّذِي لَا يَمُوتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute