للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ.

٧٣٨٤ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "لَا يَزَالُ يُلْقَى فِي النَّارِ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ تَقُولُ قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ وَلَا تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾ أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَوَقَعَتْ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ وَتَكَرَّرَتْ فِي بَعْضِهَا، وَأَوَّلُ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا مُطْلَقُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فَأَوَّلُ مَا وَقَعَ فِي الْبَقَرَةِ فِي دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ الْآيَةَ، وَآخِرُهَا: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وَتَكَرَّرَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ: ﴿عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ بِغَيْرِ لَامٍ فِيهِمَا فِي عِدَّةٍ مِنَ السُّوَرِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَفِي إِضَافَةِ الْعِزَّةِ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: ذُو الْعِزَّةِ، وَأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِزَّةِ هُنَا الْعِزَّةُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، فَالرَّبُّ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْخَالِقِ وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِزَّةِ لِلْجِنْسِ، فَإِذَا كَانَتِ الْعِزَّةُ كُلُّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مُعْتَزًّا إِلَّا بِهِ، وَلَا عِزَّةَ لِأَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مَالِكُهَا، وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ فَيُعْرَفُ حُكْمُهَا مِنَ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ جَوَابًا لِمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ الْأَعَزُّ وَأَنَّ ضِدَّهُ الْأَذَلُّ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: وَسُلْطَانِهِ بَدَلَ وَصِفَاتِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بَابُ الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ هُنَاكَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْعَزِيزُ: يَتَضَمَّنُ الْعِزَّةَ، وَالْعِزَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ ذَاتٍ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَنْ تَكُونَ صِفَةَ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْقَهْرِ لِمَخْلُوقَاتِهِ وَالْغَلَبَةِ لَهُمْ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ إِضَافَةُ اسْمِهِ إِلَيْهَا، قَالَ: وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ ذَاتِهِ وَالْحَالِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي صِفَةُ فِعْلِهِ، بِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنِ الْحَلِفِ بِهَا، كَمَا نُهِيَ عَنِ الْحَلِفِ بِحَقِّ السَّمَاءِ وَحَقِّ زَيْدٍ.

قُلْتُ: وَإِذَا أَطْلَقَ الْحَالِفُ انْصَرَفَ إِلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَانْعَقَدَتِ الْيَمِينُ إِلَّا إِنْ قَصَدَ خِلَافَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ: وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْعَزِيزُ: الَّذِي يَقْهَرُ وَلَا يُقْهَرُ؛ فَإِنَّ الْعِزَّةَ الَّتِي لِلَّهِ هِيَ الدَّائِمَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ الْعِزَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْمَمْدُوحَةُ، وَقَدْ تُسْتَعَارُ الْعِزَّةُ لِلْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ، فَيُوصَفُ بِهَا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَهِيَ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ فَمَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُعَزَّ فَلْيَكْتَسِبِ الْعِزَّةَ مِنَ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا لَهُ، وَلَا تُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ أَثْبَتَهَا لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وَقَدْ تَرِدُ الْعِزَّةُ بِمَعْنَى الصُّعُوبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ وَبِمَعْنَى الْغَلَبَةِ وَمِنْهُ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ وَبِمَعْنَى الْقِلَّةِ كَقَوْلِهِمْ: شَاةٌ عَزُوزٌ، إِذَا قَلَّ لَبَنُهَا، وَبِمَعْنَى الِامْتِنَاعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَرْضٌ عَزَازٌ،