وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْإِحْصَارِ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ - مِنْهُمُ الْأَخْفَشُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ السِّكِّيتِ، وَثَعْلَبٌ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ - أَنَّ الْإِحْصَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَرَضِ، وَأَمَّا بِالْعَدُوِّ فَهُوَ الْحَصْرُ، وَبِهَذَا قَطَعَ النَّحَّاسُ، وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أُحْصِرَ وَحُصِرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنَ التَّصَرُّفِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ﴾ وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ مَنْعِ الْعَدُوِّ إِيَّاهُمْ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَحُجَّتُهُمْ فِي أَنْ لَا إِحْصَارَ إِلَّا بِالْعَدُوِّ اتِّفَاقُ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْبَيْتِ، فَسَمَّى اللَّهُ صَدَّ الْعَدُوِّ إِحْصَارًا، وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ) هَكَذَا ثَبَتَ هَذَا التَّفْسِيرُ هُنَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي خَاصَّةً، وَنَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَدْ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَقَالَ: إِنَّ لَهُ مَعَانِيَ أُخْرَى فَذَكَرَهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِمَّا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَثِيرًا، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ الْمَادَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْجَامِعَ بَيْنَ مَعَانِيهَا الْمَنْعُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١ - بَاب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
١٨٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.
١٨٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ"
١٨٠٨ - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا
١٨٠٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute