قَوْلُهُ: (بَابٌ إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ) قِيلَ: غَرَضُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ خَاصٌّ بِالْحَاجِّ بِخِلَافِ الْمُعْتَمِرِ؛ فَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ، فَلَا يُخْشَى فَوَاتُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِمَا أَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا، فَوَقَعْتُ عَنْ رَاحِلَتِي فَانْكَسَرْتُ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَالَا: لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَالْحَجِّ، يَكُونُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ.
قَوْلُهُ: (أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ) هَذَا السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، لَكِنَّ رِوَايَةَ جُوَيْرِيَةَ الَّتِي بَعْدَهُ تَقْتَضِي أَنَّ نَافِعًا حَمَلَ ذَلِكَ عَنْ سَالِمٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا حَيْثُ قَالَ فِيهَا: عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَالْحَدِيثَ، هَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، وَوَافَقَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو يَعْلَى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُمَا، وَتَابَعَهُمْ مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَقَدْ عَقَّبَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بِرِوَايَةِ مُوسَى لِيُنَبِّهَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى هُنَا عَلَى الْإِسْنَادِ، وَسَاقَهُ فِي الْمَغَازِي بِتَمَامِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ كَذَلِكَ وَلَفْظُهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أخرجه مسلم، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى مُخْتَصَرًا، قَالَ فِيهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَهَلَّ فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ.
وَفِي قَوْلِهِ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ نَافِعٍ، وَابْنِ عُمَرَ فِيهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ مِثْلُ سِيَاقِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ، وَفِيمَا مَضَى مِنَ الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَاللَّيْثِ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، وَأَعْرَضَ مُسْلِمٌ عَنْ تَخْرِيجِ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ، وَوَافَقَ عَلَى طَرِيقِ تَخْرِيجِ اللَّيْثِ، وَأَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.
وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَقْدِي أَنَّ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَا نَافِعًا بِمَا كَلَّمَا بِهِ أَبَاهُمَا وَأَشَارَا عَلَيْهِ بِهِ مِنَ التَّأْخِيرِ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْقِصَّةِ فَشَاهَدَهَا نَافِعٌ وَسَمِعَهَا مِنَ ابْنِ عُمَرَ لِمُلَازَمَتِهِ إِيَّاهُ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ مَوْصُولٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَافِعٌ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ عُرِفَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ وَلَدَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: سَالِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. وَهُمَا ثِقَتَانِ لَا مَطْعَنَ فِيهِمَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ الْمَذْكُورَةِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ الْمَذْكُورَةِ عَبْدُ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي مُكَبَّرًا - أَصَحُّ. قُلْتُ: وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلَّمَ أَبَاهُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّ نَافِعًا حَضَرَ كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُكَبَّرِ مَعَ أَخِيهِ سَالِمٍ وَلَمْ يَحْضُرْ كَلَامَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرِ مَعَ أَخِيهِ سَالِمٍ أَيْضًا، بَلْ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، فَقَصَّ عَنْ كُلٍّ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُهُ.
قَوْلُهُ: (مُعْتَمِرًا) فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ فَذَكَرَهُ، وَلَا اخْتِلَافَ، فَإِنَّهُ خَرَجَ أَوَّلًا يُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمَّا ذَكَرُوا لَهُ أَمْرَ الْفِتْنَةِ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمَا إِلَّا وَاحِدًا. فَأَضَافَ إِلَيْهَا الْحَجَّ فَصَارَ قَارِنًا.
قَوْلُهُ: (فِي الْفِتْنَةِ) بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ فَقَالَ: لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ طَوَافِ الْقَارِنِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ، بِابْنِ الزُّبَيْرِ. وَلِمُسْلِمٍ رِوَايَةٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute