قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ.
قَوْلُهُ: (بِأُذُنَيْهِ) أَيْ لِقُرْبِ صَلَاتِهِ مِنَ الْأَذَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِقَامَةُ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِسْرَاعَ مَنْ يَسْمَعُ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ خَشْيَةَ فَوَاتِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، فَيَحْصُلُ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنِّي لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَضَخْمٌ أَلَا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا جَوَابُ السَّائِلِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَ عَنْهُ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَضَخْمٌ أَنَّ السَّمِينَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ قَلِيلَ الْفَهْمِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ حَمَّادٌ) أَيِ ابْنُ زَيْدٍ الرَّاوِي، وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (بِسُرْعَةٍ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الْوَقْتِ، وَابْنِ شَبُّوَيْهِ، وَلِغَيْرِهِمْ: سُرْعَةٌ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِقَوْلِهِ: كَانَ الْأَذَانُ بِأُذُنَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبِي) هُوَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَمُسْلِمٌ هُوَ أَبُو الضُّحَى لَا ابْنُ كَيْسَانَ.
قَوْلُهُ: (كُلَّ اللَّيْلِ) بِنَصْبِ كُلِّ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ. وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَوْتَرَ فِيهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ، وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (إِلَى السَّحَرِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ: حِينَ مَاتَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ وَقْتِ الْوِتْرِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَحَيْثُ أَوْتَرَ فِي أَوَّلِهِ لَعَلَّهُ كَانَ وَجَعًا، وَحَيْثُ أَوْتَرَ وَسَطَهُ لَعَلَّهُ كَانَ مُسَافِرًا، وَأَمَّا وِتْرُهُ فِي آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ غَالِبَ أَحْوَالِهِ، لِمَا عُرِفَ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَكْثَرِ اللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالسَّحَرُ قُبَيْلَ الصُّبْحِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ السُّدُسُ الْأَخِيرُ، وَقِيلَ: أَوَّلُهُ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، وَفِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: فَلَمَّا انْفَجَرَ الْفَجْرُ قَامَ فَأَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: الْمُرَادُ بِهِ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: زَادَنِي رَبِّي صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ، وَقْتُهَا مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ فِي السُّنَنِ، وَهُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْوُجُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ: الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا، وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. فَفِي سَنَدِهِ أَبُو الْمُنِيبِ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ فَيَحْتَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ إِلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَفْظَ: حَقٍّ بِمَعْنَى وَاجِبٍ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، وَأَنَّ لَفْظَ وَاجِبٍ بِمَعْنَى مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ.
٣ - بَاب إِيقَاظِ النَّبِيِّ ﷺ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ
٩٩٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِيقَاظِ النَّبِيِّ ﷺ أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ). فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ. لِلْوِتْرِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي.
قَوْلُهُ: (أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ) أَيْ فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ فَأَوْتَرْتُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ جَعْلِ الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ سَوَاءٌ الْمُتَهَجِّدُ وَغَيْرُهُ، وَمَحَلُّهُ إِذَا وَثِقَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ﷺ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ حَيْثُ لَمْ يَدَعْهَا نَائِمَةً لِلْوِتْرِ وَأَبْقَاهَا لِلتَّهَجُّدِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْوُجُوبُ، نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الْوِتْرِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ غَيْرِهِ مِنَ النَّوَافِلِ اللَّيْلِيَّةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِيقَاظِ النَّائِمِ لِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَفْرُوضَةِ وَلَا بِخَشْيَةِ