وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ اللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى قَبْلَ الثُّلُثِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُسْتَحَبُّ إِلَى الثُّلُثِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالُوا: إِنَّهُ مِمَّا يُفْتَى بِهِ عَلَى الْقَدِيمِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ، وَالْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ أَفْضَلِيَّةُ التَّأْخِيرِ، وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ التَّفْصِيلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله: (فَرْحَى) جَمْعُ فَرْحَانٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِثْلُهُ: وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى فِي قِرَاءَةٍ، أَوْ تَأْنِيثُ فِرَاحٍ وَهُوَ نَحْوُ الرِّجَالُ فَعَلَتْ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَرَجَعْنَا وَفَرِحْنَا، وَلِبَعْضِهِمْ: فَرَجَعْنَا فَرَحًا بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَسَبَبُ فَرَحِهِمْ عِلْمُهُمْ بِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ عُظْمَى مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمَثُوبَةِ الْحُسْنَى مع مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَجْمِيعِهِمْ فِيهَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
٢٣ - بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ
٥٦٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً. انْتَهَى. وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ، وَهَذَا جَيِّدٌ؛ حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ عِلَّةَ النَّهْي خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَافَقَهُ ابْنُ السَّكَنِ. وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَقَدْ تَعَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ السَّكَنِ وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْمَذْكُورِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الْآتِي فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيِ الْمُحَادَثَةُ. وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرٍ مَطْلُوبٍ، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ، أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ فَيَخْرُجُ وَقْتُ الصُّبْحِ، وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِهِ ﷺ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ.
٢٤ - بَاب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ
٥٦٩ - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ:، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلَاةَ، نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ. قَالَ: وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ) فِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ مُخْتَارًا، وَقِيلَ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَرْكِ إِنْكَارِهِ ﷺ عَلَى مَنْ رَقَدَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute