للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَجْوَدُ أَكْوَانِ رَسُولِ اللَّهِ فِي رَمَضَانَ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ فِي تَبْوِيبِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِذْ قَالَ: بَابُ أَجْوَدَ مَا كَانَ النَّبِيُّ يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: أَجْوَدَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهَا اسْمَهَا، وَأُجِيبَ بِجَعْلِ اسْمِ كَانَ ضَمِيرَ النَّبِيِّ وَأَجْوَدَ خَبَرَهَا، وَالتَّقْدِيرُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُدَّةَ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الرَّفْعُ أَشْهَرُ، وَالنَّصْبُ جَائِزٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَالِكٍ عَنْهُ فَخَرَّجَ الرَّفْعَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالنَّصْبَ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ لِلرَّفْعِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ، تَوَارَدَ مع ابْنِ مَالِكٍ مِنْهَا فِي وَجْهَيْنِ وَزَادَ ثَلَاثَةً وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى النَّصْبِ. قُلْتُ: وَيُرَجِّحُ الرَّفْعَ وُرُودُهُ بِدُونِ كَانَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَةَ الْقُرْآنِ تُجَدِّدُ لَهُ الْعَهْدَ بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْسِ، وَالْغِنَى سَبَبُ الْجُودِ. وَالْجُودُ فِي الشَّرْعِ إِعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَأَيْضًا فَرَمَضَانُ مَوْسِمُ الْخَيْرَاتِ ; لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ يُؤْثِرُ مُتَابَعَةَ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ. فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْوَقْتِ وَالْمَنْزُولِ بِهِ وَالنَّازِلِ وَالْمُذَاكَرَةِ حَصَلَ الْمَزِيدُ فِي الْجُودِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَلَرَسُولُ اللَّهِ ) الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ وَزِيدَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ تَأْكِيدًا، أَوْ هِيَ جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ. وَالْمُرْسَلَةُ أَيِ: الْمُطْلَقَةُ يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاعِ بِالْجُودِ أَسْرَعُ مِنَ الرِّيحِ، وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَةً إِلَى دَوَامِ هُبُوبِهَا بِالرَّحْمَةِ، وَإِلَى عُمُومِ النَّفْعِ بِجُودِهِ كَمَا تَعُمُّ الرِّيحُ الْمُرْسَلَةُ جَمِيعَ مَا تَهُبُّ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ شَيْئًا فَقَالَ لَا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ: مِنْهَا الْحَثُّ عَلَى الْجُودِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَمِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي رَمَضَانَ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ. وَفِيهِ زِيَارَةُ الصُّلَحَاءِ وَأَهْلِ الْخَيْرِ، وَتَكْرَارُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَزُورُ لَا يَكْرَهُهُ، وَاسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي رَمَضَانَ وَكَوْنُهَا أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْأَذْكَارِ، إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْرُ أَفْضَلَ أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ تَجْوِيدُ الْحِفْظِ، قُلْنَا: الْحِفْظُ كَانَ حَاصِلًا، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ تَحْصُلُ بِبَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.

قُلْتُ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ; لِأَنَّ نُزُولَهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَانَ جِبْرِيلُ يَتَعَاهَدُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَيُعَارِضُهُ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ فَاطِمَةَ . وَبِهَذَا يُجَابُ مَنْ سَأَلَ عَنْ مُنَاسَبَةِ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

٦ - باب

٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بالشام فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ. قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: