للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَائِشَةَ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْبَابَ، وَصِغَرُ عَائِشَةَ عَنْ كِبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعْلُومٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ، ثُمَّ الْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدَهُ مُرْسَلٌ، فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ مِثْلُ هَذَا فِي الصَّحِيحِ فَيَلْزَمُهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَرَاسِيلِ. قُلْتُ: الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي بِنْتِ الْأَخِ أَنْ تَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ عَمِّهَا، وَأَيْضًا فَيَكْفِي مَا ذُكِرَ فِي مُطَابَقَةِ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ خَارِجٍ. وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صُورَةُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةٍ وَقَعَتْ لِخَالَتِهِ عَائِشَةَ وَجَدِّهِ لِأُمِّهِ أَبِي بَكْرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَنْ خَالَتِهِ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا عُلِمَ لِقَاءُ الرَّاوِي لِمَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى سَمَاعِهِ مِمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ رِوَايَةُ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ لِلِقَاءِ عُرْوَةَ عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ وَلِلِقَائِهِ سَهْلَةَ زَوْجَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْإِلْزَامُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمٍ مُتَأَصِّلٍ، فَوَقَعَ فِيهَا التَّسَاهُلُ فِي صَرِيحِ الِاتِّصَالِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِيرَادُ جَمِيعِ الْمَرَاسِيلِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحِ. نَعَمِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السِّيَاقَ الْمَذْكُورَ مُرْسَلٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْحُمَيْدِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ. يَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِالْكَبِيرِ إِجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ، لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا حَتَّى تَصْلُحَ لِلْوَطْءِ، فَرَمَزَ بِهَذَا إِلَى أَنْ لَا فَائِدَةَ لِلتَّرْجَمَةِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِهَا. قُلْتُ: كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحِ الدَّلَالَةِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِاسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ حَصْرٌ مَخْصُوصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ بِنْتِ الْأَخِ، وَقَوْلُهُ ﷺ فِي الْجَوَابِ أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخ وَةٌ﴾ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ لِي حَلَالٌ مَعْنَاهُ وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا بِنْتَ أَخِي يَحِلُّ لِي نِكَاحُهَا لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الْمَانِعَةَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ لَا أُخُوَّةُ الدِّينِ.

وَقَالَ مُغَلْطَايْ: فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْخُلَّةَ لِأَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَخُطْبَةُ عَائِشَةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ، فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ قَولُهُ إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ. وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ ﷺ مَا بَاشَرَ الْخُطْبَةَ بِنَفْسِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَخْطُبُ عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟ إِنَّمَا هِيَ بِنْتُ أَخِيهِ، فَرَجَعَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي فَقُولِي لَهُ أَنْتَ أَخِي فِي الْإِسْلَامِ وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي، فَأَتَيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: ادْعِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ فَأَنْكَحَهُ. قُلْتُ: اعْتِرَاضُهُ الثَّانِي يَرُدُّ الِاعْتِرَاضَ الْأَوَّلَ مِنْ وَجْهَيْنِ، إِذِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْأُخُوَّةُ وَهِيَ أُخُوَّةُ الدِّينِ، وَالَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ الْخُلَّةُ وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْأُخُوَّةِ. ثُمَّ الَّذِي وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ ﷺ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا. الْحَدِيثَ الْمَاضِي فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْخُلَّةِ إِلَّا بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ فِي الثَّانِي إِثْبَاتَ مَا نَفَاهُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْجَوَابُ عَنِ اعْتِرَاضِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ إِمْكَانُ الْجَمْعِ بِأَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَاسَلَهُ

١٢ - بَاب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ