للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ - يَعْنِي فِي التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ - قَالَ: لِأَنَّ عَادَةَ الْمِصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ ذِكْرُ الْخَبَرِ فِيمَا يَرْوُونَهُ. قُلْتُ هَذَا التَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ، وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ، لَمْ يُوثَقْ بِرِوَايَةِ مُدَلِّسٍ أَصْلًا وَلَوْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ.

وَرِوَايَةُ مُعَاذٍ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ حُمَيْدًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَنَسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أَنَسٍ ثُمَّ يَسْتَثْبِتَ فِيهِ مِنْ مَيْمُونٍ - لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ - فَكَانَ حَقِيقًا بِضَبْطِهِ فَكَانَ حُمَيْدٌ تَارَةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَنَسٍ لِأَجْلِ الْعُلُوِّ، وَتَارَةً عَنْ مَيْمُونٍ لِكَوْنِهِ ثَبَّتَهُ فِيهِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ حُمَيْدٍ بِهَذَا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ وَثَبَّتَنِي فِيهِ ثَابِتٌ وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِ حُمَيْدٍ.

٢٩ - بَاب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ، لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ : لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا

٣٩٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا. قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّام فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى.

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ . . . . مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ) نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ ضَمُّ قَافِ الْمَشْرِقِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى بَابٍ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ، وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالْخَفْضِ، وَوَجَّهَ السُّهَيْلِيُّ رِوَايَةَ الضَّمِّ بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ حُكْمِ الْمَشْرِقِ فِي الْقِبْلَةِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَدِينَةِ، بِخِلَافِ الشَّامِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ. وَأَجَابَ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ حُكْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ تَوَافَقَتِ الْبِلَادُ أَمِ اخْتَلَفَتْ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ سَمْتِهِمْ مِمَّنْ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ أَوْ الْمَغْرِبَ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَسْتَدْبِرْهَا، أَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَشْرِقِ فَقِبْلَتُهُ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةً، أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَخْصِيصِهِ الْمَدِينَةَ وَالشَّامَ بِالذِّكْرِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ مَغْرِبَ الْأَرْضِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمَشْرِقِ، إِذِ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ، وَلِأَنَّ الْمَشْرِقَ أَكْثَرُ الْأَرْضِ الْمَعْمُورَةِ، وَلِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي جِهَةِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ قَلِيلَةٌ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ) يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَ بِهِ عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَهُ وَفِيهِ عَنْعَنَةُ عَطَاءٍ، وَمَرَّةً أَتَى بِالْعَنْعَنَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبِتَصْرِيحِ عَطَاءٍ بِالسَّمَاعِ. وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُعَلَّقَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَالَ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ أَنَّ النَّبِيَّ ، وَفِي الثَّانِي سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبٍ عَنِ النَّبِيِّ ، فَكَانَ الثَّانِي أَقْوَى؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ أَقْوَى مِنَ الْعَنْعَنَةِ وَالْعَنْعَنَةُ أَقْوَى مِنْ أَنَّ لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ: وَعَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى، وَفِي دَعْوَاهُ ضَعْفُ أَنَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَنْ نَظَرٌ، فَكَأَنَّهُ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ نَقْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، وَقَدْ بَيَّنَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ مَنْظُومَتَهُ وَهْمَ