خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ. وَقَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِابْنِ بَطَّالٍ.
قَوْلُهُ: (زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ.
قَوْلُهُ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) هُوَ الصِّدِّيقُ (إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي) كَذَا بِالتَّثْنِيَةِ لِلنَّسَفِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِمَا شِقِّ بِالْإِفْرَادِ، وَالشِّقُّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْجَانِبُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى النِّصْفِ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَرْخِي) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَانَ سَبَبُ اسْتِرْخَائِهِ نَحَافَةَ جِسْمِ أَبِي بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ) أَيْ يَسْتَرْخِي إِذَا غَفَلْتُ عَنْهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْدَ أَحْمَدَ إِنَّ إِزَارِي يَسْتَرْخِي أَحْيَانًا فَكَأَنَّ شَدَّهُ كَانَ يَنْحَلُّ إِذَا تَحَرَّكَ بِمَشْيٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَإِذَا كَانَ مُحَافِظًا عَلَيْهِ لَا يَسْتَرْخِي لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَادَ يَسْتَرْخِي شَدَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْنَى لَا يَسْتَمْسِكُ إِزَارَهُ يَسْتَرْخِي عَنْ حَقْوَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا نَحِيفًا.
قَوْلُهُ: (لَسْتُ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ) فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَسْتُ مِنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى مَنِ انْجَرَّ إِزَارُهُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ جَرَّ الْإِزَارِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هُوَ مِنْ تَشْدِيدَاتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ الْبَابِ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. قُلْتُ: بَلْ كَرَاهَةُ ابْنِ عُمَرَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَخِيلَةٍ أَمْ لَا، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِرِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُظَنُّ بِابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِالْكَرَاهَةِ مَنِ انْجَرَّ إِزَارُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَدَارَكْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا هَلِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارُ أَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ) لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا لِأَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ، وَأَغْفَلْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ بِخُصُوصِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ السَّكَنِ فِي مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ هَذَا بِأَنَّ مُحَمَّدًا الرَّاوِيَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ سَلَامٍ، فَيُحْمَلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِي بِالْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، وَالْحَسَنُ هُوَ الْبَصْرِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَعَ شَرْحِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْجَرَّ إِذَا كَانَ بِسَبَبِ الْإِسْرَاعِ لَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، فَيُشْعِرُ بِأَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِمَا كَانَ لِلْخُيَلَاءِ، لَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَصَرَ النَّهْيَ عَلَى مَا كَانَ لِلْخُيَلَاءِ حَتَّى أَجَازَ لُبْسَ الْقَمِيصِ الَّذِي يَنْجَرُّ عَلَى الْأَرْضِ لِطُولِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
وَقَوْلُهُ: وَثَابَ النَّاسُ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ رَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْهُ.
٣ - بَاب التَّشمرِ فِي الثِّيَابِ