جَهْجَاهٌ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَأَصْلُ الْجَهْجَاهِ الصِّيَاحُ، وَهِيَ صِفَةٌ تُنَاسِبُ ذِكْرَ الْعَصَا. قُلْتُ: وَيَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إِطْلَاقُ كَوْنِهِ مِنْ قَحْطَانَ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ الْأَحْرَارِ، وَتَقْيِيدُهُ فِي جَهْجَاهٍ بِأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ، وَعَلَى سِيرَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ دُونَهُ. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ التِّيجَانِ لِابْنِ هِشَامٍ مَا يُعْرَفُ مِنْهُ - إِنْ ثَبَتَ - اسْمُ الْقَحْطَانِيِّ وَسِيرَتُهُ وَزَمَانُهُ، فَذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ عَامِرٍ كَانَ مَلِكًا مُتَوَّجًا، وَكَانَ كَاهِنًا مُعَمِّرًا، وَأَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْمَعْرُوفِ بِمُزَيْقِيَا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: إِنَّ بِلَادَكُمْ سَتُخَرَّبُ، وَإِنَّ لِلَّهِ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ سَخْطَتَيْنِ وَرَحْمَتَيْنِ: فَالسَّخْطَةُ الْأُولَى هَدْمُ سُدِّ مَأْرَبٍ وَتَخْرَبُ الْبِلَادُ بِسَبَبِهِ، وَالثَّانِيَةُ غَلَبَةُ الْحَبَشَةِ عَلَى أَرْضِ الْيَمَنِ.
وَالرَّحْمَةُ الْأُولَى بَعْثَةُ نَبِيٍّ مِنْ تِهَامَةَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ يُرْسَلُ بِالرَّحْمَةِ وَيَغْلِبُ أَهْلَ الشِّرْكِ، وَالثَّانِيَةُ إِذَا خَرِبَ بَيْتُ اللَّهِ يَبْعَثُ اللَّهُ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ فَيُهْلِكُ مَنْ خَرَّبَهُ وَيُخْرِجُهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بِالدُّنْيَا إِيمَانٌ إِلَّا بِأَرْضِ الْيَمَنِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْبَيْتَ يُحَجُّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ وَأَنَّ الْكَعْبَةَ يُخَرِّبُهَا ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَبَشَةَ إِذَا خَرَّبَتِ الْبَيْتَ خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْقَحْطَانِيُّ فَأَهْلَكَهُمْ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ ذَلِكَ يَحُجُّونَ فِي زَمَنِ عِيسَى بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ، وَأَنَّ الرِّيحَ الَّتِي تَقْبِصُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ تَبْدَأُ بِمَنْ بَقِيَ بَعْدَ عِيسَى وَيَتَأَخَّرُ أَهْلُ الْيَمَنِ بَعْدَهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا يُفَسَّرُ بِهِ قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ يَمَانٌ، أَيْ يَتَأَخَّرُ الْإِيمَانُ بِهَا بَعْدَ فَقْدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْقَحْطَانِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ رَمَزَ إِلَى هَذَا، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي الْخُلَفَاءِ الْاثْنَي عَشَرَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَحْطَانِيِّ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُنَا: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْبَابِ فِي شَيْءٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ الْمُهَلَّبَ أَجَابَ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقَحْطَانِيَّ إِذَا قَامَ وَلَيْسَ مِنْ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَلَا مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمُ الْخِلَافَةَ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَتَبْدِيلِ الْأَحْكَامِ بِأَنْ يُطَاعَ فِي الدِّينِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ … انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِصَدْرِ التَّرْجَمَةِ، وَهُوَ تَغَيُّرُ الزَّمَانِ، وَتَغَيُّرُهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْفِسْقِ أَوِ الْكُفْرِ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْكُفْرِ، فَقِصَّةُ الْقَحْطَانِيِّ مُطَابِقَةٌ لِلتَّغَيُّرِ بِالْفِسْقِ مَثَلًا، وَقِصَّةُ ذِي الْخَلَصَةِ لِلتَّغَيُّرِ بِالْكُفْرِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَصِّهِ الْقَحْطَانِيِّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ، وَأَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ إِنْذ ارٌ بِمَا يَكُونُ مِنَ الشَّرِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ تَسَوُّرِ الْعَامَّةِ عَلَى مَنَازِلِ الِاسْتِقَامَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُعَارِضُ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ … انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ أَوَّلَ كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢٤ - بَاب خُرُوجِ النَّارِ
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ.
٧١١٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى.
٧١١٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute