سِمَاكٍ بِلَفْظِ: كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ، فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ ﷺ طَابَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَالطَّابُ وَالطِّيبُ لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَاشْتِقَاقُهُمَا مِنَ الشَّيْءِ الطَّيِّبِ، وَقِيلَ: لِطَهَارَةِ تُرْبَتِهَا، وَقِيلَ: لِطِيبِهَا لِسَاكِنِهَا، وَقِيلَ: مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَفِي طِيبِ تُرَابِهَا وَهَوَائِهَا دَلِيلٌ شَاهِدٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ بِهَا يَجِدُ مِنْ تُرْبَتِهَا وَحِيطَانِهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِخَطِّهِ: قَالَ الْحَافِظُ: أَمْرُ الْمَدِينَةِ فِي طِيبِ تُرَابِهَا وَهَوَائِهَا يَجِدُهُ مَنْ أَقَامَ بِهَا، وَيَجِدُ لِطِيبِهَا أَقْوَى رَائِحَةٍ، وَيَتَضَاعَفُ طِيبُهَا فِيهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ الْعُودُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ. وَلِلْمَدِينَةِ أَسْمَاءٌ غَيْرُ مَا ذُكِرَ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِلْمَدِينَةِ عَشْرَةُ أَسْمَاءٍ، هِيَ: الْمَدِينَةُ، وَطَابَةُ، وَطَيْبَةُ، وَالْمُطَيَّبَةُ، وَالْمِسْكِينَةُ، وَالدَّارُ، وَجَابِرَةُ، وَمَجْبُورَةُ، وَمُنِيرَةُ، وَيَثْرِبُ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ لِلْمَدِينَةِ عَشْرَةَ أَسْمَاءٍ، هِيَ: الْمَدِينَةُ، وَطَيْبَةُ، وَطَابَةُ، وَالْمُطَيَّبَةُ، وَالْمِسْكِينَةُ، وَالْمِدْرَى، وَالْجَابِرَةُ، وَالْمَجْبُورَةُ، وَالْمُحَبَّبَةُ، وَالْمَحْبُوبَةُ، وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى مِثْلَهُ وَزَادَ: وَالْقَاصِمَةُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى: أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِلْمَدِينَةِ يَا طَيْبَةُ، وَيَا طَابَةُ، وَيَا مِسْكِينَةُ لَا تَقْبَلِي الْكُنُوزَ، أَرْفَعُ أَجَاجِيرَكِ عَلَى الْقُرَى. وَرَوَى الزُّبَيْرُ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمَّى اللَّهُ الْمَدِينَةَ الدَّارَ وَالْإِيمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ لَهَا أَرْبَعِينَ اسْمًا.
٤ - بَاب لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ
١٨٧٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ - أَيْ: تَسْعَى أَوْ تَرْعَى - بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا أَيْ: مَا قَصَدْتُ أَخْذَهَا فَأَخَفْتُهَا بِذَلِكَ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ صَيْدِهَا. وَاسْتَدَلَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ ﷺ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - أَيِ: الْمَدِينَةُ - حَرَامٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمَدِينَةُ لِأَنَّهَا بَيْنَ لَابَتَيْنِ شَرْقِيَّةٍ وَغَرْبِيَّةٍ، وَلَهَا لَابَتَانِ أَيْضًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ الْآخَرَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ دُورِهَا كُلِّهَا دَاخِلُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: تَرْتَعُ أَيْ: تَرْعَى، وَقِيلَ: تَنْبَسِطُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي: لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَنَقَلَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ صَيْدِ مَكَّةَ.
٥ - بَاب مَنْ رَغِبَ عَنْ الْمَدِينَةِ
١٨٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: تتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute