قال: مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ -، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ)؛ أَيْ: مِنَ الْغَشْيِ (إِلَّا مِنَ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ) فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ. وَالْمُثْقِلُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنَ الْغَشْيِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ: بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنَ الْغَشْيِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُثْقِلًا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ أَيْضًا، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ أَيْضًا، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ هِشَامٍ وَامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَمِّهِ الْمُنْذِرِ.
قَوْلُهُ: (فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ) كَذَا لِأَكْثَرِهِمْ بِالنُّونِ، وَلِكَرِيمَةَ أَيْ نَعَمْ، وَهِيَ رِوَايَةُ وُهَيْبٍ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْعِلْمِ، وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ كَانَتْ بِرَأْسِهَا.
قَوْلُهُ: (تَجَلَّانِي)؛ أَيْ: غَطَّانِي، قال ابْنُ بَطَّالٍ: الْغَشْيُ مَرَضٌ يَعْرِضُ مِنْ طُولِ التَّعَبِ وَالْوُقُوفِ (١)، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِغْمَاءِ إِلَّا أَنَّهُ دُونَهُ، وَإِنَّمَا صَبَّتْ أَسْمَاءُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا مُدَافَعَةً لَهُ، وَلَوْ كَانَ شَدِيدًا لَكَانَ كَالْإِغْمَاءِ، وَهُوَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِالْإِجْمَاعِ، انْتَهَى.
وَكَوْنُهَا كَانَتْ تَتَوَلَّى صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَوَاسَّهَا كَانَتْ مُدْرِكَةً، وَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَمَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ بِفِعْلِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يَرَى الَّذِي خَلْفَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَتَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٨ - بَاب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا. وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
١٨٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قال لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
[الحديث ١٨٥ - أطرافه في: ١٩٩، ١٩٧، ١٩٢، ١٩١، ١٨٦]
(١) وقد يعرض للإنسان عند رؤيته او سماعه ما يدهشه، كما في هذا الحديث