مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ.
فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ، فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ - يَا عَمِّ يَا عَمِّ - فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احَمليهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ كَيْفَ يُكْتَبُ: هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَبِيلَتِهِ أَوْ نَسَبَهُ) أَيْ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِدُونِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ اللَّبْسُ فِيهِ فَيُكْتَفَى فِي الْوَثِيقَةِ بِالِاسْمِ الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجدِّ وَالنَّسَبِ وَالْبَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: يَكْتُبُ فِي الْوَثَائِقِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَنَسَبَهُ، فَهُوَ حَيْثُ يُخْشَى اللَّبْسُ، وَإِلَّا فَحَيْثُ يُؤْمَنُ اللَّبْسُ فَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَنَسَبِهِ فَقِيلَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَبِيلَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ الْقَبِيلَةِ وَالنِّسْبَةِ، وَقِيلَ بِالنَّصْبِ فِعْلٌ مَاضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ، أَيْ سَوَاءٌ نَسَبَهُ أَوْ لَمْ يَنْسُبْهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ جَزَمَ الصَّغَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ) سَيَأْتِي فِي الشُّرُوطِ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بَيَانُ سَبَبِ ذَلِكَ مُطَوَّلًا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ابن إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَنَذْكُرُ هُنَاكَ بَيَانَ الْخِلَافِ فِي مُبَاشَرَتِهِ ﷺ الْكِتَابَةَ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا اقْتِصَارُ الْكَاتِبِ عَلَى قَوْلِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى أَبٍ وَلَا جَدٍّ، وَأَقَرَّهُ ﷺ واقْتَصَرَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِأَمْنِ الِالْتِبَاسِ.
٧ - بَاب الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: لقد رأيتنا يوم أبي جندل، وَأَسْمَاءُ، وَالْمِسْوَرُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
٢٧٠٠ - وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄ قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ: السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ. فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ أَبَا جَنْدَلٍ، وَقَالَ: إِلَّا بِجُلُبِّ السِّلَاحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute