مِمَّنْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ لَكِنَّهُ لِبُعْدِهِ قَدْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ قُرْبَ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحُلُولِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمُنَاسَبَةُ الْغَائِبِ ظَاهِرَةٌ مِنْ أَجْلِ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ الْآفَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ السَّمْعِ وَالْآفَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ النَّظَرِ، وَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا، يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا تَصِحَّ أَضْدَادُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ، شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، هَلْ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ أَوْ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلَا أَدُلُّكَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَلَا أَدُلُّكَ بِهِ، أَيْ: بِبَقِيَّةِ الْخَبَرِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ الدُّعَاءِ: إِذَا عَلَا عَقَبَةً فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - يَعْنِي الصِّدِّيقَ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً، الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي الدَّعَوَاتِ مَعَ شَرْحِهِ، وَبَيَانُ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَشَارَ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ مُنَاسَبَتَهُ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ دُعَاءَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِدُعَائِهِ وَمُجَازِيهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ مُطَابِقًا لِلتَّرْجَمَةِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ صِفَتَيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ لَازِمَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ فَائِدَةَ الدُّعَاءِ إِجَابَةُ الدَّاعِي لِمَطْلُوبِهِ فَلَوْلَا أَنَّ سَمْعَهُ سُبْحَانَهُ يَتَعَلَّقُ بِالسِّرِّ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَهْرِ لَمَا حَصَلَتْ فَائِدَةُ الدُّعَاءِ أَوْ كَانَ يُقَيِّدُهُ بِمَنْ يَجْهَرُ بِدُعَائِهِ، انْتَهَى. مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُنِيرِ مُلَخَّصًا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَمَّا كَانَ بَعْضُ الذُّنُوبِ مِمَّا يُسْمَعُ وَبَعْضُهَا مِمَّا يُبْصَرُ لَمْ تَقَعْ مَغْفِرَتُهُ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْمَاعِ وَالْإِبْصَارِ.
تَنْبِيهٌ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ ظُلْمًا كَثِيرًا بِالْمُثَلَّثَةِ وَوَقَعَ هُنَا لِلْقَابِسِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ جِبْرِيلَ ﵇ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ) هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ، وَقَوْلُهُ: مَا رَدُّوا عَلَيْكَ، أَيْ: أَجَابُوكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ رَدَّهُمْ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ بِعَدَمِ قَبُولِهِمْ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَحَادِيثِ إِثْبَاتُ صِفَتَيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ، وَعِنْدَ حُدُوثِ الْمَسْمُوعِ وَالْمُبْصَرِ يَقَعُ التَّعَلُّقُ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا: إِنَّهُ سَمِيعٌ يَسْمَعُ كُلَّ مَسْمُوعٍ، وَبَصِيرٌ يُبْصِرُ كُلَّ مُبْصَرٍ، فَادَّعَوْا أَنَّهُمَا صِفَتَانِ حَادِثَتَانِ، وَظَوَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
١٠ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ﴾
٧٣٩٠ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute