ثُمَّ قَال (بَابُ التَّكْبِيرِ إِذَا عَلَا شَرَفًا)
وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ وَفِيهِ: وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا أَيِ: انْحَدَرْنَا، وَالتَّصْوِيبُ النُّزُولُ.
وَالْفَدْفَدُ، بِفَاءَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ: هِيَ الْأَرَضُ الْغَلِيظَةُ ذَاتُ الْحَصَى، وَقِيلَ: الْمُسْتَوِيَةُ. وَقِيلَ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ الصُّلْبُ.
وَقَوْلُهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، زَعَمَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ، وَتَعَقَّبَهُ الْجَيَّانِيُّ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَالِمٌ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَأَمَّا سَالِمٌ الْمَذْكُورُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ فَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ، وَالْغَرَضُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ فِيهِ: كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا، قَالَ الْمُهَلَّبُ: تَكْبِيرُهُ ﷺ عِنْدَ الِارْتِفَاعِ اسْتِشْعَارً لِكِبْرِيَاءِ اللَّهِ ﷿ وَعِنْدَما يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ مِنْ عَظِيمِ خَلْقِهِ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَسْبِيحُهُ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ قِصَّةِ يُونُسَ؛ فَإِنَّ بِتَسْبِيحِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَسَبَّحَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ لِيُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَقِيلَ: مُنَاسَبَةُ التَّسْبِيحِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُنْخَفِضَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّسْبِيحَ هُوَ التَّنْزِيهُ، فَنَاسَبَ تَنْزِيهَ اللَّهِ عَنْ صِفَاتِ الِانْخِفَاضِ كَمَا نَاسَبَ تَكْبِيرَهُ عِنْدَ الْأَمَاكِنِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ جِهَتَيِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُوصَفَ بِالْعُلُوِّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْعُلُوِّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْمُسْتَحِيلُ كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحِسِّ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي صِفَتِهِ الْعَالِي وَالْعَلِيُّ وَالْمُتَعَالِي، وَلَمْ يَرِدْ ضِدُّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا جَلَّ وَعَزَّ.
١٣٤ - بَاب يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ
٢٩٩٦ - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ) أَيْ: إِذَا كَانَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ) هُوَ ابْنُ حَوْشَبٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، وَزْنُ جَعْفَرٍ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ) هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ) أَيْ: مَعَ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا شَامِيٌّ، وَاسْمُ أَبِيهِ: حَيْوِيلُ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، بَعْدهَا تَحْتَانِيَّةٌ أُخْرَى سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلِيَ خَرَاجَ السِّنْدِ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ)، فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ: وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ يَصُومُ الدَّهْرَ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ) فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْ ذَلِكَ مَرَضٌ.
قَوْلُهُ: (كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) هُوَ مِنَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمَقْلُوبِ، فَالْإِقَامَةُ فِي مُقَابِلِ السَّفَرِ وَالصِّحَّةِ فِي مُقَابِلِ الْمَرَضِ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ طَاعَةً فَمُنِعَ مِنْهَا وَكَانَتْ نِيَّتُهُ لَوْلَا الْمَانِعُ أَنْ يَدُومَ عَلَيْهَا، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ