فَلَمَّا تَابَعَهُ الْحَكَمُ بِرِوَايَتِهِ ثَبَتَ عِنْدَ شُعْبَةَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَانْتَفَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ. وَقَدْ تَكَلَّفَ الْكِرْمَانِيُّ لِتَوْجِيهِ كَلَامِ شُعْبَةَ أَشْيَاءَ فِيهَا نَظَرٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَكَمَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ: سَمِعْتُهُ فَلَمَّا تَقَوَّى بِرِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَبْقَ بِهِ مَحَلٌّ لِلْإِنْكَارِ. قُلْتُ: شُعْبَةُ مَا كَانَ يَأْخُذُ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَنْهُمُ التَّدْلِيسَ إِلَّا مَا يَتَحَقَّقُ سَمَاعُهُمْ فِيهِ، وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ بِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ كَانَ يَلْزَمُ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَقُولَ لَمَّا حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُلْكِ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ.
ثَانِيهَا: لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مَنْكُورًا لِي لِأَنِّي كُنْتُ أَحْفَظُهُ.
ثَالِثُهَا: يَحْتَمِلُ الْعَكْسُ بِأَنْ يُرَادَ لَمْ يُنْكِرْ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ سَاقَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطَّرِيقَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى عَنِ الْحَكَمِ. وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي الْمَتْنِ: مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي لَفْظِ: عَلَى مُوسَى وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى مَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْفَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
٢١ - بَاب اللَّدُودِ
٥٧٠٩، ٥٧١٠ - ، ٥٧١١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ قَبَّلَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مَيِّتٌ.
٥٧١٢ - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
٥٧١٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَنه مِنْ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: علامَ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلَاقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنْ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ. فَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا خَمْسَةً. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ. قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ، إِنَّمَا قَالَ: أَعْلَقْتُ عَنْهُ، حَفِظْتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ، وَوَصَفَ سُفْيَانُ الْغُلَامَ يُحَنَّكُ بِالْإِصْبَعِ وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِي حَنَكِهِ، إِنَّمَا يَعْنِي رَفْعَ حَنَكِهِ بِإِصْبَعِهِ وَلَمْ يَقُلْ: أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ اللَّدُودِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَتَيْنِ: هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ الْمَرِيضِ. وَاللُّدُودُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ. وَلَدَدَتَ الْمَرِيضَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهِ.
وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ الأول مُسْتَوْفًى فِي بَابِ وَفَاةِ النَّبِي ﷺ وَبَيَانُ مَا لَدُّوهُ ﷺ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِمَّنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلُدَّ لِأَمْرِهِ ﷺ بِذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وأَمَّا الْحَدِيثُ الثاني فسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ الْعُذْرَةِ قَرِيبًا.