فَقَالَ: إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْعَمَلِ مِنْ قِبَلِ مُوسَى، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الرَّعْيِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ شُعَيْبٌ أَنْ يَكُونَ يَرْعَى غَنَمَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَيُزَوِّجُهُ ابْنَتَهُ فَذَكَرَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ، وَعَلَّقَ التَّزْوِيجَ عَلَى الرِّعْيَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاهَدَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاقَدَةِ، فَاسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (يَأْجُرُ) بِضَمِّ الْجِيمِ (فُلَانًا) أَيْ: (يُعْطِيهِ أَجْرًا) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ، وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ أَيْ: تَكُونُ لِي أَجِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي نَفْسَكَ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ آجَرَكَ اللَّهُ) هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَزَادَ: يَأْجُرُكَ أَيْ: يُثِيبُكَ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْأَجْرِ وَالْأُجْرَةِ مُخْتَلِفًا.
٧ - بَاب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ
٢٢٦٧ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ - وَغَيْرُهُمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ. قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَهِ فَاسْتَقَامَ. قَالَ يَعْلَى حَسِبْتُ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ)، أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ مُسْتَوْفًى فِي التَّفْسِيرِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُبَيَّنًا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِقَوْلِ مُوسَى: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ أَيْ: لَوْ تَشَارَطْتُ عَلَى عَمَلِهِ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَنَفَعَنَا ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَقَصَدَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُضْبَطُ بِتَعَيُّنِ الْعَمَلِ كَمَا تُضْبَطُ بِتَعَيُّنِ الْأَجَلِ.
٨ - بَاب الْإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ
٢٢٦٨ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute