This website shamela.ws/book/1673/7819 is currently offline. Cloudflare's Always Online™ shows a snapshot of this web page from the Internet Archive's Wayback Machine. To check for the live version, click Refresh.
بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ دُونَ التَّفْضِيلِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَصْبَحَ الْأَمِيرُ لَا يُخَالِفُهُ رَئِيسٌ وَلَا مَرْءُوسٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ إِرَادَةِ التَّفْضِيلِ، فَغَايَتُهُ تَفْضِيلُ الْمُقَرَّبِينَ مِمَّنْ حَوْلَ الْعَرْشِ، بَلْ مَنْ هُوَ
أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ فَضْلَ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا تَتِمُّ لَهُمُ الدَّلَالَةُ إِلَّا إِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى فَقَطْ فَيَصِحُّ: لَنْ يَتَرَفَّعَ الْمَسِيحُ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَا مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ، وَالَّذِي يَدَّعِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّ النَّصَارَى تَعْتَقِدُ تَفْضِيلَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْمَسِيحِ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ بَلْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، فَلَا يَتِمُّ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ، قَالَ: وَسِيَاقُهُ الْآيَةَ مِنْ أُسْلُوبِ التَّتْمِيمِ وَالْمُبَالَغَةِ لَا لِلتَّرَقِّي، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَكِيلا﴾ فَقَرَّرَ الْوَحْدَانِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالْقُدْرَةَ التَّامَّةَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِنْكَافِ، فَالتَّقْدِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَكْبِرَ عَلَيْهِ الَّذِي تَتَّخِذُونَهُ أَيُّهَا النَّصَارَى إِلَهًا لِاعْتِقَادِكُمْ فِيهِ الْكَمَالَ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ اتَّخَذَهَا غَيْرُكُمْ آلِهَةً لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِمُ الْكَمَالَ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيُّ مُلَخَّصًا، وَلَفْظُهُ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَفْعًا لِمَقَامِهِمْ عَلَى مَقَامِ عِيسَى، بَلْ رَدًّا عَلَى الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ آلِهَةٌ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَمَا رَدَّ عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ يَدَّعُونَ التَّثْلِيثَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ فَنَفَى أَنْ يَكُونَ مَلَكًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ طَلَبُوا مِنْهُ الْخَزَائِنَ وَعِلْمَ الْغَيْبِ، وَأَنْ يَكُونَ بِصِفَةِ الْمَلَكِ مِنْ تَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَهُوَ مِنْ نَمَطِ إِنْكَارِهِمْ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ بَشَرًا مِثْلَهُمْ فَنَفَى عَنْهُ أَنَّهُ مَلَكٌ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا وَصَفَ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدًا، قَالَ فِي جِبْرِيلَ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ وَقَالَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ وَبَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا سِيقَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيهِ - شَيْطَانٌ، فَكَانَ وَصْفُ جِبْرِيلَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَدْ وَصَفَ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمِثْلِ مَا وَصَفَ بِهِ جِبْرِيلَ هُنَا وَأَعْظَمَ مِنْهُ، وَقَدْ أَفْرَطَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُوءِ الْأَدَبِ هُنَا، وَقَالَ كَلَامًا يَسْتَلْزِمُ تَنْقِيصَ الْمَقَامِ الْمُحَمَّدِيِّ، وَبَالَغَ الْأَئِمَّةُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ زَلَّاتِهِ الشَّنِيعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ: بِشِبْرٍ بِزِيَادَةِ مُوَحَّدَةٍ فِي أَوَّلِهِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ فِي بَابِ ذِكْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ.
١٦ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾
٧٤٠٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَقَالَ: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ. قَالَ: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَذَا أَيْسَرُ.
قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾، ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: هَذَا أَيْسَرُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ: هَذِهِ، وَسَقَطَ لَفْظُ الْإِشَارَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا وَهُوَ مِنْ صِفَةِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ بِجَارِحَةٍ وَلَا كَالْوُجُوهِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute