للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّيْطَانِ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ.

خَامِسُهَا: إِنَّمَا خَصَّ الْوُضُوءَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَالْجُنُبُ لَا يَحُلُّ عُقْدَتَهُ إِلَّا الِاغْتِسَالُ، وَهَلْ يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ لِمَنْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ؟ مَحَلُّ بَحْثٍ. وَالَّذِي يَظْهَرُ إِجْزَاؤُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي مُعَانَاةِ الْوُضُوءِ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى طَرْدِ النَّوْمِ لَا يَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ.

سَادِسُهَا: لَا يَتَعَيَّنُ لِلذِّكْرِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ أَجْزَأَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَأَوْلَى مَا يُذْكَرُ بِهِ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ: فَإِنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَذَكَرَ اللَّهَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ) هُوَ الْأَعْرَابِيُّ، (وَأَبُو رَجَاءٍ) هُوَ الْعُطَارِدِيُّ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ سَمُرَةَ مُطَوَّلًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. وَقَوْلُهُ هُنَا: (عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: (يُثْلَغُ) بمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ، وَلَامٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ؛ أَيْ: يَشُقُّ أَوْ يَخْدِشُ. وَقَوْلُهُ: (فَيَرْفِضُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا.

١٣ - بَاب إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ

١١٤٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ رَجُلٌ فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ.

[الحديث ١١٤٤ - طرفه في ٣٢٧٠]

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ. وَلِلْبَاقِينَ: بَابٌ فَقَطْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ، وَتَعَلُّقُهُ بِالَّذِي قَبْلَهُ ظَاهِرٌ لِمَا سَنُوَضِّحُهُ.

قَوْلُهُ: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، لَكِنْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ هُوَ، وَلَفْظُهُ بَعْدَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بِنَحْوِهِ: وَأَيْمُ اللَّهِ، لَقَدْ بَالَ فِي أُذُنِ صَاحِبِكُمْ لَيْلَةً؛ يَعْنِي نَفْسَهُ.

قَوْلُهُ: (فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ) فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ.

قَوْلُهُ: (مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ) المُرَادُ الْجِنْسُ، وَيُحْتَمَلُ الْعَهْدُ، وَيُرَادُ بِهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ أَوِ الْمَكْتُوبَةُ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ هَذَا عِنْدَنَا: نَامَ عَنِ الْفَرِيضَةِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِمَا قَبْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ مِنْ فَوَائِدِ الْمُخَلِّصِ: أَصْبَحَتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا كَهَيْئَتِهَا، وَبَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ. فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وَقْتُ بَوْلِ الشَّيْطَانِ، وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي أُذُنِهِ) فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ: فِي أُذُنَيْهِ؛ بِالتَّثْنِيَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي بَوْلِ الشَّيْطَانِ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ لَا إِحَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَنْكِحُ، فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَبُولَ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سَدِّ الشَّيْطَانِ أُذُنَ الَّذِي يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الذِّكْرَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ مَلَأَ سَمْعَهُ بِالْأَبَاطِيلِ، فَحَجَبَ سَمْعَهُ عَنِ الذِّكْرِ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ ازْدِرَاءِ الشَّيْطَانِ بِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَاسْتَخَفَّ بِهِ، حَتَّى اتَّخَذَهُ كَالْكَنِيفِ الْمُعَدِّ لِلْبَوْلِ؛ إِذْ مِنْ عَادَةِ الْمُسْتَخِفِّ بِالشَّيْءِ أَنْ يَبُولَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ لِلْغَافِلِ عَنِ الْقِيَامِ بِثِقَلِ النَّوْمِ، كَمَنْ وَقَعَ الْبَوْلُ فِي أُذُنِهِ، فَثَقَّلَ أُذُنَهُ، وَأَفْسَدَ حِسَّهُ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ