للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ عَنْ مِرْدَاسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ: إِنَّهُ مِرْدَاسُ بْنُ غَرْوَةَ. وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَالرَّازِيُّ، وَالْبُسْتِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ.

قَوْلُهُ (يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يُقْبَضُ بَدَلَ يَذْهَبُ، وَالْمُرَادُ قَبْضُ أَرْوَاحِهِمْ، وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ بَيَانٍ: يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أَسْلَافًا وَيُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ لِلْأُولَى.

قَوْلُهُ (وَيَبْقَى حُثَالَةٌ أَوْ حُفَالَةٌ) هُوَ شَكٌّ هَلْ هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ حُثَالَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ جَزْمًا.

قَوْلُهُ (كَحُثَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ) يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ كَحُثَالَةِ الشَّعِيرِ فَقَطْ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مِثْلُ حُثَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْبُخَارِيُّ حُثَالَةٌ وَحُفَالَةٌ؛ يَعْنِي أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحُثَالَةُ بِالْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: آخِرُ مَا يَبْقَى مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَأَرْدَؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْحُثَالَةُ سَقَطُ النَّاسِ، وَأَصْلُهَا مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ قُشُورِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَا يَسْقُطُ مِنَ الشَّعِيرِ عِنْدَ الْغَرْبَلَةِ، وَيَبْقَى مِنَ التَّمْرِ بَعْدَ الْأَكْلِ، وَوَجَدْتُ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَةِ الْفَزَارِيَّةِ امْرَأَةِ عُمَرَ بِلَفْظِ: تَذْهَبُونَ الْخَيِّرُ فَالْخَيِّرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا حُثَالَةٌ كَحُثَالَةِ التَّمْرِ، يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ الْمَعْزِ، أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِرَفْعِهِ لَكِنْ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا، وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، يُقَالُ: بَالَيْتُ بِفُلَانٍ وَمَا بَالَيْتُ بِهِ مُبَالَاةً وَبَالِيَةً وَبَالَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُ بَالَةٍ بَالِيَةٍ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا، وَتُعُقِّبَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ بِأَنَّ بَالِيَةً لَيْسَ مَصْدَرًا لِبَالَيْتُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ مَصْدَرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: سَمِعْتُهُ فِي الْوَقْفِ بَالَةً، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ فِي الدَّرْجِ، وَالْأَصْلُ بَالَيْتُهُ بَالَاةً فَكَأَنَّ الْأَلِفَ حُذِفَتْ فِي الْوَقْفِ كَذَا قَالَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي مَصْدَرِهِ بَالَاةً. قَالَ: وَلَوْ عَلِمَ الْقَابِسِيُّ مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَالَةً مَصْدَرٌ مُصَارٌ لَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ.

قُلْتُ: تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ بَيَانٍ بِلَفْظِ: لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ: لَا يُبَالِي اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، وَعَنْ هُنَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، يُقَالُ: مَا بَالَيْتُ بِهِ وَمَا بَلَيْتُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: يَعْبَأُ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَهْمُوزٌ، أَيْ لَا يُبَالِي، وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِبْءِ بِالْكَسْرِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ مَهْمُوزٌ، وَهُوَ الثِّقَلُ، فَكَأَنَّ مَعْنَى لَا يَعْبَأُ بِهِ أَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَهُ، وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْفَزَارِيَّةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا: عَلَى أُولَئِكَ تَقُومُ السَّاعَةُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَوْتَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ.

وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ انْقِرَاضُ أَهْلِ الْخَيْرِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الشَّرِّ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الْأَرْضِ مِنْ عَالِمٍ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ صِرْفًا، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الْفِتَنِ: حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(تَنْبِيه): وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ، أَيْ أَنَّهَا رُوِيَتْ بِالْفَاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

١٠ - بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾