كَمَا تَقَدَّمَ.
(تَكْمِيلٌ):
زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّفَخَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرْبَعٌ:
الْأُولَى: نَفْخَةُ إِمَاتَةٍ يَمُوتُ فِيهَا مَنْ بَقِيَ حَيًّا فِي الْأَرْضِ.
وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ إِحْيَاءٍ يَقُومُ بِهَا كُلُّ مَيِّتٍ وَيُنْشَرُونَ مِنَ الْقُبُورِ وَيُجْمَعُونَ لِلْحِسَابِ.
وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ فَزَعٍ وَصَعْقٍ يُفِيقُونَ مِنْهَا كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ لَا يَمُوتُ مِنْهَا أَحَدٌ.
وَالرَّابِعَةُ: نَفْخَةُ إِفَاقَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْغَشْيِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الثِّنْتَيْنِ أَرْبَعًا لَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلْ هُمَا نَفْخَتَانِ فَقَطْ، وَوَقَعَ التَّغَايُرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ مَنْ يَسْتَمِعُهُمَا.
فَالْأُولَى: يَمُوتُ بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيُغْشَى عَلَى مَنْ لَمْ يَمُتْ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ.
وَالثَّانِيَةُ: يَعِيشُ بِهَا مَنْ مَاتَ وَيُفِيقُ بِهَا مَنْ غُشِيَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي نَهْيِهِ ﷺ عَنِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ بِرَأْيِهِ لَا مَنْ يَقُولُهُ بِدَلِيلٍ، أَوْ مَنْ يَقُولُهُ بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيصِ الْمَفْضُولِ، أَوْ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ وَالتَّنَازُعِ، أَوِ الْمُرَادُ لَا تُفَضِّلُوا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلْمَفْضُولِ فَضِيلَةٌ، فَالْإِمَامُ مَثَلًا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْمُؤَذِّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ فَضِيلَةِ الْمُؤَذِّنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَانِ، وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنِ التَّفْضِيلِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ النُّبُوَّةِ نَفْسِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الذَّوَاتِ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّخْيِيرِ إِنَّمَا هِيَ فِي مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى بَعْضٍ بِالْمُخَايَرَةِ، لِأَنَّ الْمُخَايَرَةَ إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ أَهْلِ دِينَيْنِ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا إِلَى ازْدِرَاءٍ بِالْآخَرِ فَيُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْيِيرُ مُسْتَنِدًا إِلَى مُقَابَلَةِ الْفَضَائِلِ لِتَحْصِيلِ الرُّجْحَانِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدَيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى. سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ شَهَادَةُ آدَمَ لِمُوسَى أَنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ.
(تَنْبِيهٌ):
: قَوْلُهُ: ثُمَّ تَلُومُنِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَوَقَعَ لِلْأَصِيلِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي بِالْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدَيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عَرْضِ الْأُمَمِ، أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ مَعَ شَرْحِهِ فِي الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِيهِ أَنَّ أُمَّةَ مُوسَى أَكْثَرُ الْأُمَمِ بَعْدَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
٣٢ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾
٣٤١١ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.
[الحديث ٣٤١١ - أطرافه في: ٣٤٣٣، ٣٧٦٩، ٥٤١٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ آسِيَةَ وَهِيَ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، قِيلَ إِنَّهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِنَّهَا عَمَّةُ مُوسَى، وَقِيلَ إِنَّهَا مِنَ الْعَمَالِيقِ، وَقِيلَ: ابْنَةُ عَمِّ فِرْعَوْنَ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا مُفْرَدًا بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ) مُرَّةُ وَالِدُ عَمْرٍو غَيْرُ مُرَّةَ شَيْخِهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْجَمَلِيُّ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ - الْمُرَادِيُّ، ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ صِغَارِ