للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلنَّبِيِّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ حَتَّى يَمُوتُوا دُونَهُ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

ثَالِثُهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ، فَقَوْلُهُ: فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ هِيَ كُنْيَةُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَالْقَائِلُ فَقُلْتُ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَاهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ ثُلَاثِيَّاتِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي تَكْرَارِهِ الْبَيْعَةَ لِسَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ مِقْدَامًا فِي الْحَرْبِ فَأَكَّدَ عَلَيْهِ الْعَقْدَ احْتِيَاطًا. قُلْتُ: أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يُقَاتِلُ قِتَالَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ فَتَعَدَّدَتِ الْبَيْعَةُ بِتَعَدُّدِ الصِّفَةِ.

رَابِعُهَا حَدِيثُ أَنَسٍ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا … عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا

وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَقَالَ: مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا. فَقُلْتُ: عَلَامَ تُبَايِعُنَا؟ قَالَ: عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ.

خَامِسُهَا حَدِيثُ مُجَاشِعٍ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَخُوهُ اسْمُهُ: مُجَالِدٌ بِجِيمٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١١١ - بَاب عَزْمِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ

٢٩٦٤ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لَا نُحْصِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ، إِلَّا أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فَعَسَى أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلَّا مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ. وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لَا تَجِدُوهُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غير مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ عَزْمِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ) الْمُرَادُ بِالْعَزْمِ: الْأَمْرُ الْجَازِمُ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ فِيهِ، وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلًا: مَحَلُّهُ، وَالْمَعْنَى وُجُوبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَهُمْ بِهِ طَاقَةٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) أَيِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (مُؤْدِيًا) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ، أَيْ: كَامِلَ الْأَدَاءِ، أَيْ: أَدَاةَ الْحَرْبِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْهَمْزَةِ مِنْهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ أَوْدَى إِذَا هَلَكَ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَاهُ قَوِيًّا، وَكَأَنَّهُ فَسَرَّهُ بِاللَّازِمِ.

وَقَوْلُهُ نَشِيطًا بِنُونٍ وَبِمُعْجَمَةٍ مِنَ النَّشَاطِ.

قَوْلُهُ: (نَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا) كَذَا فِي الرِّوَايَةِ بِالنُّونِ مِنْ قَوْلِهِ نَخْرُجُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ رَجُلًا أَحَدُنَا، أَوْ هُوَ مَحْذُوفُ الصِّفَةِ، أَيْ: رَجُلًا مِنَّا، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْكِرْمَانِيُّ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَفِيهِ حِينَئِذٍ الْتِفَاتٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ النُّونِ وَفِيهِ أَيْضًا الْتِفَاتٌ.

قَوْلُهُ: (لَا نُحْصِيهَا) أَيْ: لَا نُطِيقُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ وَقِيلَ: لَا نَدْرِي أَهِيَ طَاعَةٌ أَمْ مَعْصِيَةٌ؟ وَالْأَوَّلُ مُطَابِقٌ لِمَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ فَتَرْجَمَ بِهِ، وَالثَّانِي مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ، أَيْ: مِنْ تَقْوَى اللَّهِ أَنْ لَا يُقْدِمَ الْمَرْءُ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَيَدُلُّهُ عَلَى مَا فِيهِ شِفَاؤُهُ.

وَقَوْلُهُ: شَكَّ نَفْسُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَقْلُوبِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، أَوْ ضَمَّنَ شَكَّ مَعْنَى لَصِقَ، وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ مَا يَتَرَدَّدُ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِهِ.

وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَفْعَلَهُ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يَعْزِمُ، أَوْ لِلْعَزْمِ الَّذِي