الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ كَرَاهَتِهِ، وَكَذَا حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ الْمَنْعُ فِيهِ إِلَّا عَنْ عَطَاءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُقْتَصِرًا مِنْهُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ.
قَوْلُهُ (مَا مِنْ مَكْلُومٍ) أَيْ مَجْرُوحٍ (وَكَلْمُهُ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ (يَدْمَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اخْتِصَاصُهُ بِمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، لَكِنْ يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْمَعْرُوفِ لِاشْتَرَاكِ الْجَمِيعِ فِي كَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْكُفَّارِ وَيَلْتَحِقُ هَؤُلَاءِ بِهِمْ بِالْمَعْنَى، لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي دُخُولِ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ صَوْنَ مَالِهِ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُخْلِصِ حَيْثُ قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْإِخْلَاصُ مَعَ إِرَادَةِ صَوْنِ الْمَالِ، ك أَنْ يَقْصِدَ بِقِتَالِ مَنْ أَرَادَ أَخَذَهُ مِنْهُ صَوْنَ الَّذِي يُقَاتِلُهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ وَامْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالدَّفْعِ، وَلَا يُمَحَّضُ الْقَصْدُ لِصَوْنِ الْمَالِ، فَهُوَ كَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا مَعَ تَشَوُّفِهِ إِلَى الْغَنِيمَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ الْمِسْكِ وَكَذَا بِالَّذِي بَعْدَهُ وُقُوعُ تَشْبِيهِ دَمِ الشَّهِيدِ بِهِ، لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ التَّكْرِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَكَانَ مِنَ الْخَبَائِثِ وَلَمْ يَحْسُنِ التَّمْثِيلُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي الْجَلِيسِ الصَّالِحِ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ يُحْذِيَكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ يُعْطِيَكَ وَزْنًا وَمَعْنًى.
٣٢ - بَاب الْأَرْنَبِ
٥٥٣٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا، فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا - أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا - إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَبِلَهَا.
قَوْلُهُ (بَابُ الْأَرْنَبِ) هُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقِ لَكِنْ فِي رِجْلَيْهَا طُولٌ بِخِلَافِ يَدَيْهَا، وَالْأَرْنَبُ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ أَيْضًا الْخُزَزُ وَزْنَ عُمَرَ بِمُعْجَمَاتٍ، وَلِلْأُنْثَى عِكْرِشَةٌ، وَلِلصَّغِيرِ خِرْنَقٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا قَافٌ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْجَاحِظُ: لَا يُقَالُ أَرْنَبٌ إِلَّا لِلْأُنْثَى، وَيُقَالُ إِنَّ الْأَرْنَبَ شَدِيدَةُ الْجُبْنِ كَثِيرَةُ الشَّبَقِ وَأَنَّهَا تَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى وَأَنَّهَا تَحِيضُ، وَسَأَذْكُرُ مَنْ خَرَّجَهُ، وَيُقَالُ إِنَّهَا تَنَامُ مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ.
قَوْلُهُ (أَنْفَجْنَا) بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ سَاكِنَةٍ أَيْ أَثَرْنَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اسْتَنْفَجْنَا وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ، يُقَالُ نَفَجَ الْأَرانَبُ إِذَا ثَارَ وَعَدَا، وَانْتَفَجَ كَذَلِكَ، وَأَنْفَجْتُهُ إِذَا أَثَّرْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَيُقَالُ إِنَّ الِانْتِفَاجَ الِاقْشِعْرَارُ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى جَعَلْنَاهَا بِطَلَبِنَا لَهَا تَنْتَفِجُ، وَالِانْتِفَاجُ أَيْضًا ارْتِفَاعُ الشَّعْرِ وَانْتِفَاشُهُ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمَازِرِيِّ بَعَجْنَا بِمُوَحَّدَةٍ وَعَيْنٍ مَفْتُوحَةٍ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّقِّ مِنْ بَعَجَ بَطْنَهُ إِذَا شَقَّهُ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ مِنْ سِيَاقِ الْخَبَرِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي طَلَبِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ شَقُّوا بَطْنَهَا كَيْفَ كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى السَّعْيِ خَلْفَهَا.
قَوْلُهُ (بِمَرِّ الظَّهْرَانِ) مَرِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَالظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الظَّهْرِ، اسْمُ مَوْضِعٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ. وَقَدْ يُسَمَّى بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ تَخْفِيفًا، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute