الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ آدَمُ طِوَالٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (بَشِّرِ الْكَانِزِينَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ.
قَوْلُهُ: (بِرَضْفٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ هِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ وَاحِدُهَا رَضْفَةٌ.
قَوْلُهُ: (نُغْضُ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ: الْعَظْمُ الدَّقِيقُ الَّذِي عَلَى طَرَفِ الْكَتِفِ أَوْ عَلَى الْكَتِفِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الشَّاخِصُ مِنْهُ، وَأَصْلُ النُّغْضِ الْحَرَكَةُ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ نُغْضًا لِأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ.
قَوْلُهُ: (يَتَزَلْزَلُ) أَيْ يَضْطَرِبُ وَيَتَحَرَّكُ، فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَيَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ، وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَدْبَرَ، فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، عَنِ الْأَحْنَفِ: فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُهُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ ﷺ. وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الْبَاهِلِيِّ، عَنِ الْأَحْنَفِ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَفِرُّ مِنْهُ النَّاسُ حِينَ يَرَوْنَهُ، قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو ذَرٍّ. قُلْتُ: مَا نَفَّرَ النَّاسَ عَنْكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَنْهَاهُمْ عَنِ الْكُنُوزِ الَّتِي كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا) بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: وَرَبِّكَ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا. . إِلَخْ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ: وَمَنْ خَلِيلُكَ؟ قَالَ: النَّبِيُّ ﷺ فَاعِلُ قَالَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ، وَالنَّبِيُّ ﷺ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، كَأَنَّهُ قَالَ: خَلِيلِي النَّبِيُّ ﷺ، وَسَقَطَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَوْ قَالَ: فَقَطْ، وَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ظَنَّهَا مُكَرَّرَةً فَحَذَفَهَا وَلَا بُدَّ مِنَ إِثْبَاتِهَا.
قَوْلُهُ: (يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أَحَدًا) وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ، وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ أَبُو ذَرٍّ، لِلْأَحْنَفِ لِتَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَمِّ اكْتِنَازِ الْمَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي تَلِيهِ فقالَ: قَوْلُهُ: (وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ) هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي ذَرٍّ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا لِكَلَامِهِ، وَلِرَبْطِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ.
٥ - بَاب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ
١٤٠٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ) وَأَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَأَمَّا حَدِيثُ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا. فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ، لِأَنَّ جَمْعَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنِ الْجَامِعُ مَسْئُولٌ عَنْهُ، وَفِي الْمُحَاسَبَةِ خَطَرٌ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ أَسْلَمَ، وَمَا وَرَدَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي تَحْصِيلِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِي حَقِّهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَثِقَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي يَأْمَنُ خَطَرَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَنْفَقَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا كَمَا تَقَدَّمَ شَاهِدُهُ فِي حَدِيثِ: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ