أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا خَالَفَ مَا رَوَى دَلَّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا بِأَنَّ مُخَالِفَهُ أَرْجَحُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا هُنَا، وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدٍ: يَجِبُ تَأْخِيرُهَا إِلَى الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ أَعَادَ، وَعَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ لِمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عُذْرٌ فَيُصَلِّيهَا لَكِنْ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ، وَعَنِ الْمُدَوَّنَةِ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ جَمْعًا وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ، وَعَنْ أَشْهَبَ: إِنْ جَاءَ جَمْعًا قَبْلَ الشَّفَقِ جَمَعَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَتَّى يَغِيبَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا قَبْلَ جَمْعٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ نَزَلَهَا أَوْ أَفْرَدَ أَجْزَأَ وَفَاتَتِ السُّنَّةُ. وَاخْتِلَافُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ لِلنُّسُكِ أَوْ لِلسَّفَرِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ إِلَخْ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَأَبِي صَالِحٍ جَمِيعًا عَنِ اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ) يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (فَهَجّرْ بِالصَّلَاةِ) أَيْ صَلّي بِالْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ.
قَوْلُهُ: (أنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ وَلَدِهِ سَالِمٍ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ أَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَعًا، فَأَجَابَ بِذَلِكَ فَطَابَقَ كَلَامَ وَلَدِهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيُّ: قَوْلُهُ فِي السُّنَّةِ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَجْمَعُونَ أَيْ مُتَوَغِّلِينَ فِي السُّنَّةِ، قَالَهُ تَعْرِيضًا بِالْحَجَّاجِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِسَالِمٍ) الْقَائِلُ هُوَ ابْنُ شِهَابٍ وَقَوْلُهُ: أَفَعَلَ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ وَقَوْلُهُ: وهَلْ يَتَّبِعُونَ بِذَلِكَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ الْأَتْبَاعِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ يَبْتَغُونَ فِي ذَلِكَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ مِنَ الِابْتِغَاءِ أَيْ لَا يَطْلُبُونَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَّا سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بِحَذْفِ فِي وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ.
٩٠ - بَاب قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
١٦٦٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ أَوْ زَالَتْ، فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الرَّوَاحَ فَقَالَ: الْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً. فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ حَتَّى خَرَجَ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ
قَوْلُهُ: (بَابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمَاضِي قَرِيبًا وَفِيهِ قَوْلُ سَالِمٍ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ قَصْرَ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْأَمْرَ بِاقْتِصَارِ الْخُطْبَةِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِعَمَّارٍ أَخْرَجَهُ فِي الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْمَغَارِبَةُ يَخْطُبُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: كُلُّ صَلَاةٍ يُخْطَبُ لَهَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقِيلَ لَهُ: فَعَرَفَةُ يُخْطَبُ فِيهَا وَلَا يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا تِلْكَ لِلتَّعْلِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute