﷽
٢٧ - كِتَاب الْمُحْصَرِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ وَقَالَ عَطَاءٌ: الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ) ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ لِلْجَمِيعِ، وَذَكَرَ أَبُو ذَرٍّ أَبْوَابًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلِلْبَاقِينَ بَابٌ بِالْإِفْرَادِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ أَيْ: وَتَفْسِيرُ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى تَفْسِيرِ عَطَاءٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ بِتَعْمِيمِ الْإِحْصَارِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ حَابِسٍ حَبَسَ الْحَاجَّ مِنْ عَدُوٍّ وَمَرَضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى أَفْتَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا لُدِغَ بِأَنَّهُ مُحْصَرٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: الْحَصْرُ الْكَسْرُ وَالْمَرَضُ وَالْخَوْفُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَأَثَرِ عَطَاءٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قَالَ: الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ. وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَلَفْظُهُ: فإنْ أُحْصِرْتُمْ، قَالَ: مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ حُبِسَ عَنِ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ أَوْ عَدُوٍّ يَحْبِسُهُ فَعَلَيْهِ ذَبْحُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَإِنْ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَجَّةً بَعْدَ الْفَرِيضَةِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا حَصْرَ إِلَّا بِالْعَدُوِّ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا حَصْرَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ فَيَحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِالْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَكَّةَ - وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالنَّاسُ - فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ فِي أَنْ أُحِلَّ، فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ وَسَمَّى الرَّجُلَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَعَلَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ إِتْمَامَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَجَعَلَ التَّحَلُّلَ لِلْمُحْصَرِ رُخْصَةً، وَكَانَتِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ مَنْعِ الْعَدُوِّ فَلَمْ نَعْدُ بِالرُّخْصَةِ مَوْضِعَهَا.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا حَصْرَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْمُحْرِمُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ. أَخْرَجَهُ فِي بَابِ مَا يَفْعَلُ مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَتْ: لَا أَعْلَمُ الْمُحْرِمَ يُحِلُّ بِشَيْءٍ دُونَ الْبَيْتِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ: لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute