للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُعْتَادَةَ إِذَا فَاتَتْ تُقْضَى اسْتِحْبَابًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الْعَمَلِ لِمَنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَبْطَلَهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْتَكِفُ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ زَوْجَهَا وَأَنَّهَا إِذَا اعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَنَّ يَرْجِعَ فَيَمْنَعَهَا.

وَعَنْ أَهْلِ الرَّأْي إِذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَنَعَهَا أَثِمَ بِذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ، وَعَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْأَخْبِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلنِّسَاءِ أَنْ لَا يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْخُرُوجِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِاللُّزُومِ، وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْمُعْتَكِفُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَطَائِفَةٌ: يَدْخُلُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا تَخَلَّى بِنَفْسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُشْكِلُ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْخُرُوجَ مِنَ الْعِبَادَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْمُعْتَكَفَ وَلَا شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنَّمَا هَمَّ بِهِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ فَتَرَكَهُ، فَعَلَى هَذَا فَاللَّازِمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ فَيَدْخُلَ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَرَعَ فَيَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطٌ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ شُرِعَ لَهُنَّ الِاحْتِجَابُ فِي الْبُيُوتِ فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَسْجِدُ شَرْطًا مَا وَقَعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ وَلَاكْتُفِيَ لَهُنَّ بِالِاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدِ بُيُوتِهِنَّ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ: فِي قَوْلِهِ: آلْبِرَّ تُرِدْنَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِرٍّ لَهُنَّ، مَا قَالَهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَفِيهِ شُؤْمُ الْغِيرَةِ لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنِ الْحَسَدِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ لِأَجْلِهِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْأَفْضَلِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَأَنَّ مَنْ خَشِيَ عَلَى عَمَلِهِ الرِّيَاءَ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَقَطْعُهُ، وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَجِبُ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا قَضَاؤُهُ لَهُ فَعَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ نِسَاءَهُ اعْتَكَفْنَ مَعَهُ فِي شَوَّالٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اعْتَكَفَتْ فِي الْمَسْجِدِ اسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَجْعَلَ لَهَا مَا يَسْتُرُهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ إِقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ. وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مَرْتَبَةِ عَائِشَةَ فِي كَوْنِ حَفْصَةَ لَمْ تَسْتَأْذِنْ إِلَّا بِوَاسِطَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ كَوْنَهُ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.

٧ - بَاب الْأَخْبِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ

٢٠٣٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ: خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ. فَقَالَ: أَلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْأَخْبِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ) ذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَسَقَطَ قَوْلُهُ: عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، والْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّآتِ كُلِّهَا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ مُرْسَلًا أَيْضًا،