يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِمَّا قَدَّمْتُهُ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، بَلْ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ فِي ذَلِكَ. وَالشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّمَا هُوَ لِإِجْرَاءِ فِعْلِ الْقَوْلِ مَجْرَى فِعْلِ الظَّنِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إِذَا تُرِكَ الْقَوْلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.
٧ - بَاب تَضْيِيعِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
٥٢٩ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ. قِيلَ: الصَّلَاةُ. قَالَ: أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيهَا؟
٥٣٠ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ. وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ (بَابٌ فِي تَضْيِيعِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا) ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، والْكُشْمِيهَنِيِّ وَسَقَطَتْ لِلْبَاقِينَ.
قَوْله (مَهْدِيُّ) هُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ، وَغَيْلَانُ هُوَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ.
قَوْله (قِيلَ الصَّلَاةُ) أَيْ قِيلِ لَهُ: الصَّلَاةُ، هِيَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِهِ ﷺ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ غَيَّرُوهَا أَيْضًا بِأَنْ أَخْرَجُوهَا عَنِ الْوَقْتِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ لِأَنَسٍ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ أَبُو رَافِعٍ، بَيَّنَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَوْحٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، وَلَا الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: قَدْ عَلِمْتُمْ مَا صَنَعَ الْحَجَّاجُ فِي الصَّلَاةِ.
قَوْله (صَنَعْتُمْ) بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّونِ لِلْأَكْثَرِ، وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ بِالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَهُوَ أَوْضَحُ فِي مُطَابَقَةِ التَّرْجَمَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْتُهُ آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بن سعد، وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: أَوَ لَمْ يُضَيِّعُوا فِي الصَّلَاةِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ؟ وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ سَبَبَ قَوْلِ أَنَسٍ هَذَا الْقَوْلِ، فَأَخْرَجَ فِي تَرْجَمَةِ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعُرْيَانِ الْحَارِثِيِّ سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَأَخَّرَ الْحَجَّاجُ الصَّلَاةَ، فَقَامَ أَنَسٌ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَنَهَاهُ إِخْوَانُهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْهُ، فَخَرَجَ فَرَكِبَ دَابَّتَهُ فَقَالَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَجُلٌ: فَالصَّلَاةُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: قَدْ جَعَلْتُمُ الظُّهْرَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، أَفَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ مُخْتَصَرًا.
قَوْله (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ) هُوَ خُرَاسَانِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَاسْمُ أَبِيهِ مَيْمُونٌ.
قَوْله (أَخُو عَبْدِ الْعَزِيزِ) أَيْ هُوَ أَخُو عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عُثْمَانَ.
قَوْله (بِدِمَشْقَ) كَانَ قُدُومُ أَنَسٍ دِمَشْقَ فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ عَلَى الْعِرَاقِ، قَدِمَهَا شَاكِيًا مِنَ الْحَجَّاجِ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
قَوْله (مِمَّا أَدْرَكْتُ) أَيْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَوْله (إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مَوْجُودًا مِنَ الطَّاعَاتِ مَعْمُولًا بِهِ