أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى. وَفِي آخِرِهِ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاته، فَلْيُسَبِّحْ. وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ السَّهْوِ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَفِيهِ هَذَا.
قَوْلُهُ: (لِلرِّجَالِ): قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: قَيَّدَهُ بِالرِّجَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يُشْرَعُ لِلنِّسَاءِ. وَقَدْ أَشْعَرَ بِذَلِكَ تَبْوِيبُهُ بَعْدُ، حَيْثُ قَالَ: بَابُ التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ لَفْظِيَّةٌ وَضْعِيَّةٌ، وَدَلَالَةَ الْمَفْهُومِ مِنْ لَوَازِمِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْبِيحَ إِلَّا لِلرِّجَالِ، وَلَا تَصْفِيقَ إِلَّا لِلنِّسَاءِ، وَكَأَنَّهُ قَدَّمَ الْمَفْهُومَ عَلَى الْعُمُومِ لِلْعَمَلِ بِالدَّلِيلَيْنِ، لِأَنَّ فِي إعْمَالِ الْعُمُومِ إِبْطَالًا لِلْمَفْهُومِ. وَلَا يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ: لِلرِّجَالِ مِنْ بَابِ اللَّقَبِ، لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الصِّفَةِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ. وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَعْضُهَا مَبْسُوطًا: جَوَازُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَيْهَا أَوْلَى مِنَ انْتِظَارِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّقَدُّمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ إِلَّا بِرِضًا مِنْهُمْ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ إِنْ شِئْتُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْحَاضِرِينَ. وَأَنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُهَا. وَأَنَّ مَنْ سَبَّحَ أَوْ حَمِدَ لِأَمْرٍ يَنُوبُهُ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَنْبِيهَ غَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَقَالَ سَهْلٌ أَيِ ابْنُ سَعْدٍ رَاوِي الْحَدِيثِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ. وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْخَطَّابِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْقَالِي، وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّهُ بِالْحَاءِ: الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَبِالْقَافِ: بِبَاطِنِهَا عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى، وَقِيلَ: بِالْحَاءِ: الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ، وَبِالْقَافِ: بِجَمِيعِهَا لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ، فَزَعَمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ ضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، قَالَ عِيَاضٌ: كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فَفِيهِ: فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ.
٤ - بَاب مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مُوَاجَهَةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ
١٢٠٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ التَّحِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَنُسَمِّي وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بَعْدُ عَلَى غَيْرِهِ: مُوَاجَهَةً، وَحَكَى ابْنُ رَشِيدٍ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْحَمَوِيِّ إِسْقَاطَ الْهَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِضَافَةَ: مُوَاجَهَةً، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِتَنْوِينِ: غَيْرِ، وَفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ: مُوَاجَهَةً، وَبِالنَّصْبِ، فَيُوَافِقُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى غَيْرِ مُوَاجَهَةٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُوَاجَهه تَبْطُلُ، قَالَ: وَكَأَنَّ مَقْصُودَ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُمْ مَا يَسْتَقْبِلُونَ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوِي حَالُ الْجَاهِلِ قَبْلَ وُجُودِ الْحُكْمِ مَعَ حَالِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute