وَيُسَمَّى مُسْلِمًا إِذَا تَلَفَّظَ بِالْكَلِمَةِ - أَيْ: كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ - وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ فَهُوَ الشَّرْعِيُّ الْكَامِلُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ قَوْلُهُ: (وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ كَمَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنْهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ مَوْصُولٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَاقَ فِيهِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ رِوَايَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَلَى الْوِلَاءِ هُوَ وَعَمُّهُ وَعَامِرٌ وَأَبُوهُ.
٢٠ - بَاب إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ.
٢٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ) هُوَ مُنَوَّنٌ. وَقَوْلُهُ: (السَّلَامُ مِنَ الْإِسْلَامِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: إِفْشَاءَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ بِإِفْشَائِهِ نَشْرُهُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَرْفُوعِ فِي قَوْلِهِ: عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ. وَبَيَانُ كَوْنِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ تَقَدَّمَ فِي بَابِ إِطْعَامِ الطَّعَامِ مَعَ بَقِيَّةَ فَوَائِدِهِ. وَغَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ شَيْخَيْهِ اللَّذَيْنِ حَدَّثَاهُ عَنِ اللَّيْثِ مُرَاعَاةً لِلْإِتْيَانِ بِالْفَائِدَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ وَهِيَ تَكْثِيرُ الطُّرُقِ حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى إِعَادَةِ الْمَتْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْحُكْمَيْنِ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُخَرِّجَ الْحَدِيثَ عَنْ شَيْخَيْهِ مَعًا، أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ شَيْخَيْهِ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ غَيْرِ الْمَعْرِضِ الْآخَرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِطَائِلٍ ; لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ وُجُودِ تَصْنِيفٍ مُبَوَّبٍ لِكُلٍّ مِنْ شَيْخَيْهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ; وَلِأَنَّ مَنِ اعْتَنَى بِتَرْجَمَةِ كُلٍّ مِنْ قُتَيْبَةَ، وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصْنِيفًا عَلَى الْأَبْوَابِ ; وَلِأَنَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ يُقَلِّدُ فِي التَّرَاجِمِ، وَالْمَعْرُوفُ الشَّائِعُ عَنْهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُ الْأَحْكَامَ فِي الْأَحَادِيثِ وَيُتَرْجِمُ لَهَا وَيَتَفَنَّنُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ; وَلِأَنَّهُ يَبْقَى السُّؤَالُ بِحَالِهِ إِذْ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ كَانَ سَمِعَهُمَا مُفْتَرِقَيْنِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يَقْصِدُ تَعْدِيدَ شُعَبِ الْإِيمَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَخَصَّ كُلَّ شُعْبَةٍ بِبَابٍ تَنْوِيهًا بِذِكْرِهَا، وَقَصْدُ التَّنْوِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْكِيدِ فَلِذَلِكَ غَايَرَ بَيْنَ التَّرْجَمَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَمَّارٌ) هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ، أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَأَثَرُهُ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمَا، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ، وَلَفْظُ شُعْبَةَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَهُوَ بِالْمَعْنَى، وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي جَامِعِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَكَذَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأُخْرَةٍ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، كَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ كَعْبٍ الْوَاسِطِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الصَّنْعَانِيِّ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute