للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَسْمِيَتَهُمْ لَهَا الْبَاذَقُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَالْبَاذَقُ شَرَابُ الْعَسَلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى سَبَقَ حُكْمَ مُحَمَّدٍ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ تَسْمِيَتَهُمْ لَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَلَيْسَ تَغْيِيرُهُمْ لِلِاسْمِ بِمُحَلِّلٍ لَهُ إِذَا كَانَ يُسْكِرُ، قَالَ: وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَاذَقَ حَلَالٌ، فَحَسَمَ مَادَّتَهُ وَقَطَعَ رَجَاءَهُ وَبَاعَدَ مِنْهُ أَصْلَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّسْمِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَعْنِي أَنَّ الْبَاذَقَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قُلْتُ: وَسِيَاقُ قِصَّةِ عُمَرَ الْأُولَى يُؤَيِّدُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: شَارِبُ الْمَطْبُوخِ إِذَا كَانَ يُسْكِرُ أَعْظَمُ ذَنْبًا مِنْ شَارِبِ الْخَمْرِ لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَاصٍ بِشُرْبِهَا، وَشَارِبُ الْمَطْبُوخِ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ وَيَرَاهُ حَلَالًا، وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الْخَمْرِ وَكَثِيرَهُ حَرَامٌ، وَثَبَتَ قَوْلُهُ ﷺ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنِ اسْتَحَلَّ مَا هُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ كَفَرَ. قُلْتُ: وَقَدْ سَبَقَ إِلَى نَحْوِ هَذَا بَعْضُ قُدَمَاءِ الشُّعَرَاءِ فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَالَ يُعَرِّضُ بِبَعْضِ مَنْ كَانَ يُفْتِي بِإِبَاحَةِ الْمَطْبُوخِ:

وَأَشْرَبُهَا وَأَزْعُمُهَا حَرَامًا … وَأَرْجُو عَفْوَ رَبٍّ ذِي امْتِنَانِ

وَيَشْرَبُهَا وَيَزْعُمُهَا حَلَالًا … وَتِلْكَ عَلَى الْمُسِيءِ خَطِيئَتَانِ

قَوْلُهُ: (قَالَ الشَّرَابُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ، قَالَ لَيْسَ بَعْدَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ إِلَّا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْقَائِلَ هَلْ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ مَنْ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي أَحْكَامِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ قَالَ: الشَّرَابُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ لَا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَفْتِنِي عَنِ الْبَاذَقِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ حَتَّى نَطْبُخَهُ حَتَّى يَكُونَ حَلَالًا طَيِّبًا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ، اشْرَبِ الْحَلَالَ الطَّيِّبَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ إِلَّا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ: نَأْخُذُ الْعِنَبَ فَنَعْصِرُهُ فَنَشْرَبُ مِنْهُ حُلْوًا حَلَالًا؟ قَالَ: اشْرَبِ الْحُلْوَ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ تَقَعُ فِي حَيِّزِ الْحَرَامِ وَهُوَ الْخَبِيثُ، وَمَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَلَالٌ طَيِّبٌ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: هَذَا الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُضَعِّفُ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ.

ثُمَّ أُسْنِدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ أَحَدِ الثِّقَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّارَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَيُسْكِرُ؟ قَالُوا: إِذَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَسْكَرَ، قَالَ: فَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ وقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالْحَلْوَاءُ تُعْقَدُ مِنَ السُّكَّرِ، وَعَطْفُ الْعَسَلِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَقَدْ تُعْقَدُ الْحَلْوَاءُ مِنَ السُّكَّرِ فَيَتَقَارَبَانِ. وَوَجْهُ إِيرَادِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الَّذِي يَحِلُّ مِنَ الْمَطْبُوخِ هُوَ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْحَلْوَاءِ، وَالَّذِي يَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِغَيْرِ طَبْخٍ هُوَ مَا كان فِي مَعْنَى الْعَسَلِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَمْزُجُونَهُ بِالْمَاءِ وَيَشْرَبُونَهُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١١ - بَاب مَنْ رَأَى أَنْ لَا يَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ

٥٦٠٠ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: إِنِّي لَأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ،