للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ) أَيْ مَا فِي الْمُصْحَفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُرْآنَ مَجْمُوعًا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُثْمَانَ. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَابِ حَمَلَتِهِ، وَهُوَ شَيْءٌ اخْتَلَقَهُ الرَّوَافِضُ لِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ كَانَ ثَابِتًا فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَمُوهُ، وَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْتُمُوا مِثْلَ أَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَغَيْرَهَا مِنَ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَا مَنْ يَدَّعِي إِمَامَتَهُ، كَمَا لَمْ يَكْتُمُوا مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَوْ يُخَصِّصُ عُمُومَهُ أَوْ يُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ. وَقَدْ تَلَطَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الرَّافِضَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَحَدِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِيهِ لَكَانَ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّ عَلِيٍّ وَأَشَدُّ النَّاسِ لَهُ لُزُومًا وَاطِّلَاعًا عَلَى حَالِهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ) فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.

قَوْلُهُ: (دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ) هُوَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ، تَابِعِيُّ كَبِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ. وَلَمْ يَقَعْ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَبُوهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا.

قَوْلُهُ: (أَتَرَكَ النَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ)؟ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ) بِالْفَاءِ تَثْنِيَةُ دَفَّةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ اللَّوْحُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَدَخَلْنَا) الْقَائِلُ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَمْ يَدَعْ إِلَّا مَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ أَيْ لَمْ يَدَعْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يُتْلَى إِلَّا مَا هُوَ دَاخِلُ الْمُصْحَفِ الْمَوْجُودِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ لِأَنَّ عَلِيًّا أَرَادَ الْأَحْكَامَ الَّتِي كَتَبَهَا عَنِ النَّبِيِّ وَلَمْ يَنْفِ أَنَّ عِنْدَهُ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ كَتَبَهَا. وَأَمَّا جَوَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّمَا أَرَادَا مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى، أَوْ أَرَادَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ، أَيْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْإِمَامَةِ إِلَّا مَا هُوَ بِأَيْدِي النَّاسِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ ذِكْرِ أَشْيَاءَ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فَنُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ، مِثْلُ حَدِيثِ عُمَرَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا وَحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَانَتِ الْأَحْزَابُ قَدْرَ الْبَقَرَةِ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مَا يَقْرَءُونَ رُبْعَهَا يَعْنِي بَرَاءَةٌ، وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، وَيَقُولُ: إِنَّ مِنْهُ قُرْآنًا قَدْ رُفِعَ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ .

١٧ - بَاب فَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ

٥٠٢٠ - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى