للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ وَرَدَ بِلَفْظِ فَأَتِمُّوا وَأَقَلُّهَا بِلَفْظِ فَاقْضُوا وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ إِذَا جَعَلْنَا بَيْنَ الإتمام وَالْقَضَاءِ مُغَايَرَةً، لَكِنْ إِذَا كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِهِ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى، وَهُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَائِتِ غَالِبًا لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْضًا، وَيَرِدُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا﴾ وَيَرِدُ بِمَعَانٍ أُخَرَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَاقْضُوا عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ أَوِ الْفَرَاغِ، فَلَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ فَأَتِمُّوا، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِرِوَايَةِ فَاقْضُوا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ حَتَّى اسْتُحِبَّ لَهُ الْجَهْرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَقِرَءَةِ السُّورَةِ، وَتَرْكُ الْقُنُوتِ، بَلْ هُوَ أَوَّلُهَا، وَإِنْ كَانَ آخِرَ صَلَاةِ إِمَامِهِ، لِأَنَّ الْآخِرَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ شَيْءٍ تَقَدَّمَهُ، وَأَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَوْ كَانَ مَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرًا لَهُ لَمَا احْتَاجَ إِلَى إِعَادَةِ التَّشَهُّدِ.

وَقَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: إِنَّهُ مَا تَشَهَّدَ إِلَّا لِأَجْلِ السَّلَامِ، لِأَنَّ السَّلَامَ يَحْتَاجُ إِلَى سَبْقِ تَشَهُّدٍ، لَيْسَ بِالْجَوَابِ النَّاهِضِ عَلَى دَفْعِ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظَيْنِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا. إِنَّ مَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَحِبُّوا لَهُ إِعَادَةَ الْجَهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، وَكَأَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ قَوْلُهُ مَا أَدْرَكْتَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِكَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعَنْ إِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ: لَا يَقْرَأُ إِلَّا أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ، لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ، بَلْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالضُّبَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ حَيْثُ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ صِفَةِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٢٢ - بَاب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ

٦٣٧ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي.

[الحديث ٦٣٧ - طرفاه في: ٦٣٨، ٩٠٩]

قَوْلُهُ: (بَابُ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ؟) قِيلَ: أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ لَا تَقُومُوا نَهْيٌ عَنِ الْقِيَامِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى تَرَوْنِي تَسْوِيغٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ هُنَا عَنْ أَبَانَ الْعَطَّارِ، عَنْ يَحْيَى، فَلَعَلَّهُ لَهُ فِيهِ شَيْخَانِ.

قَوْلُهُ: (كَتَبَ إِلَى يَحْيَى) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَحَجَّاجٍ الصَّوَافِّ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ مِنْ تَدْلِيسِ الصِّيَغِ، وَصَرَّحَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ هِشَامٍ أَنَّ يَحْيَى كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، فَأُمِنَ بِذَلِكَ تَدْلِيسُ يَحْيَى.

قَوْلُهُ: (إِذَا أُقِيمَتْ) أَيْ إِذَا ذُكِرَتْ أَلْفَاظُ الْإِقَامَةِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَرَوْنِي)