للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَمَا يَزِيدُ بِحُضُورِ الْقَلْبِ وَبِخُلُوصِ الْقَصْدِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عُمْرَةٌ فَرِيضَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةِ فَرِيضَةٍ، وَعُمْرَةٌ نَافِلَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ نَافِلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهُ كَحَجَّةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَرَكَةِ رَمَضَانَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ. قُلْتُ: الثَّالِثُ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ الْمَذْكُورَةِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَلَا نَعْلَمُ هَذَا إِلَّا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا. وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ فِي آخِرِ حَدِيثِهَا قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: الْحَجُّ حَجَّةٌ وَالْعُمْرَةُ عُمْرَةٌ، وَقَدْ قَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ لِي، فَمَا أَدْرِي أَلِي خَاصَّةً تَعْنِي أَوْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالسَّبَبُ فِي التَّوَقُّفِ اسْتِشْكَالُ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ صَحَّ جَوَابُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) لَمْ يَعْتَمِرِ النَّبِيُّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ثَبَتَ فَضْلُ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ بِحَدِيثِ الْبَابِ، فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ أَفْضَلُ، وَأَمَّا فِي حَقِّهِ فَمَا صَنَعَهُ هُوَ أَفْضَلُ، لِأَنَّ فِعْلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَهُ، فَأَرَادَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لِغَيْرِهِ لَكَانَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَغِلُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَخَشِيَ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى أُمَّتِهِ؛ إِذْ لَوِ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ لَبَادَرُوا إِلَى ذَلِكَ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ، وَقَدْ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ وَخَوْفًا مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ.

٥ - بَاب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا

١٧٨٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا) الْحَصْبَةُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنُ الضَّرْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا لَيْلَةُ الْمَبِيتِ بِالْمُحَصَّبِ. وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى التَّحْصِيبِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْحَجِّ، وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِقْهُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْحَاجَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ إِذَا تَمَّ حَجُّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَيْلَةُ الْحَصْبَةِ هِيَ لَيْلَةُ النَّفْرِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهَا آخِرُ أَيَّامِ الرَّمْيِ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْعُمْرَةِ أَيَّامَ الْحَجِّ، فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ عَنِ الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ. وَقَالَ عَلِيٌّ نَحْوَهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْعُمْرَةُ عَلَى قَدْرِ النَّفَقَةِ انْتَهَى. وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْخُرُوجَ لِقَصْدِ الْعُمْرَةِ مِنَ الْبَلَدِ إِلَى مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ بَعْدَ بَابَيْنِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ بَعْدَ بَابٍ، وَمُحَمَّدٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَهُوَ ابْنُ سَلَامٍ.