التَّاءُ فِي الدَّالِ فَيُقَالُ عِدَّانٌ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْعَتُودُ الْجَذَعُ مِنَ الْمَعْزِ ابْنُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عُقْبَةَ كَمَا مَضَى قَرِيبًا جَذَعَةً وَأَنَّهَا كَانَتْ مِنَ الْمَعْزِ، وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْعَتُودَ لَا يُقَالُ إِلَّا لِلْجَذَعِ مِنَ الْمَعْزِ، وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّ الْعَتُودَ الْجَدْيُ الَّذِي اسْتَكْرَشَ، وَقِيلَ الَّذِي بَلَغَ السِّفَادَ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي أَجْذَعَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ ضَحِّ بِهِ أَنْتَ) زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ: وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ بَعْدَكَ وَسَأَذْكُرُ الْبَحْثَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِجْزَاءِ الْأُضْحِيَّةِ بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِإِيرَادِ حَدِيثِ عُقْبَةَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ - وَهِيَ ضَحِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ - الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى الِاخْتِيَارِ، فَمَنْ ذَبَحَ وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَالْأَفْضَلُ الِاتِّبَاعُ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِكَبْشَيْنِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ اللَّحْمِ قَالَ كَالشَّافِعِيِّ: الْأَفْضَلُ الْإِبِلُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْبَقَرُ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَافَقَ الشَّافِعِيُّ، أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا يُعْدَلُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْءٌ، لَكِنْ يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - يَعْنِي الْمَاضِيَ قَرِيبًا - كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى، أَيْ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْإِبِلَ وَغَيْرَهَا، قَالَ: لَكِنَّهُ عُمُومٌ، وَالتَّمَسُّكُ بِالصَّرِيحِ أَوْلَى وَهُوَ الْكَبْشُ.
قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُضَحِّي بِالْمَدِينَةِ بِالْجَزُورِ أَحْيَانًا وَبِالْكَبْشِ إِذَا لَمْ يَجِدْ جَزُورًا فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَكَانَ نَصًّا فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ، لَكِنْ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ فِي بَابِ مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهَا يَطَأُ فِي سَوَادٍ إِلَخْ تُرِيدُ أَنَّ أَظْلَافَهُ وَمَوَاضِعَ الْبُرُوكِ مِنْهُ وَمَا أَحَاطَ بِمَلَاحِظِ عَيْنَيْهِ مِنْ وَجْهِهِ أَسْوَدُ، وَسَائِرُ بَدَنِهِ أَبْيَضُ.
٨ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَبِي بُرْدَةَ: ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ
٥٥٥٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄ قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ.
تَابَعَهُ عُبَيْدَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ، وَتَابَعَهُ وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ عَاصِمٌ وَدَاوُدُ عَنْ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ، وَقَالَ زُبَيْدٌ وَفِرَاسٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي جَذَعَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ: عَنَاقٌ جَذَعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنَاقٌ جَذَعٌ، عَنَاقُ لَبَنٍ.
٥٥٥٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: "ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ" أَبْدِلْهَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ جَذَعَةٌ قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسِبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute