وَلَا يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا فَعَلَتْهُ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ، أَوْ كَانَتْ بِيَدِهَا جِرَاحَةٌ فَدَاوَتْهَا فَبَقِيَ الْأَثَرُ مِثْلَ الْوَشْمِ فِي يَدِهَا.
الحديث الخامس قَوْلُهُ: (عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْنُ عم عُمَرَ الْعُمَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَا عَلَى الْأَسْنَانِ مِنَ اللَّحْمِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْأَسْنَانِ صُفْرَةً أَوْ غَيْرَهَا، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يُرِدْ نَافِعٌ الْحَصْرَ فِي كَوْنِ الْوَشْمِ فِي اللِّثَةِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهَا. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ الْوَصْلُ فِي الشَّعْرِ وَالْوَشْمُ وَالنَّمْصُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ، وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى التَّنْزِيهِ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ اللَّعْنِ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ أَقْوَى الدَّلَالَاتِ، بَلْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكَبِيرَةِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا رَخَّصَتْ فِي وَصْلِ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ وَقَالَتْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاصِلِ الْمَرْأَةُ تَفْجُرُ فِي شَبَابِهَا ثُمَّ تَصِلُ ذَلِكَ بِالْقِيَادَةِ، وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَأَبْطَلَهُ بِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ، إِيقَاعُ الْمَنْعِ عَلَى فِعْلِ الْوَصْلِ لَا عن كَوْنِ الشَّعْرِ نَجِسًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِيهِ جَوَازُ إِبْقَاءِ الشَّعْرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ دَفْنِهِ، وَفِيهِ قِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّهْيِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رَآهُ فَاشِيًا فَيُفْشِي إِنْكَارَهُ تَأْكِيدًا لِيُحَذِّرَ مِنْهُ، وَفِيهِ إِنْذَارُ مَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ بِوُقُوعِ الْهَلَاكِ بِمَنْ فَعَلَهَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ وَفِيهِ جَوَازُ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ فِي الْخُطْبَةِ لِيَرَاهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَذَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ لِلتَّحْذِيرِ مِمَّا عَصَوْا فِيهِ.
٨٤ - بَاب الْمُتَنَمِّصَاتِ
٥٩٣٩ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ. قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ. فقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُتَنَمِّصَاتِ) جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مُنْتَمِصَةٌ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى النُّونِ وَهُوَ مَقْلُوبٌ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ النِّمَاصَ، وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَفْعَلُهُ، وَالنِّمَاصُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْوَجْهِ بِالْمِنْقَاشِ، وَيُسَمَّى الْمِنْقَاشُ مِنْمَاصًا لِذَلِكَ، وَيُقَالُ إِنَّ النِّمَاصَ يَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ لِتَرْفِيعِهِمَا أَوْ تَسْوِيَتِهِمَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُصُ الْحَاجِبَ حَتَّى تَرِقَّهُ. ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَاضِي فِي بَابِ الْمُتَفَلِّجَاتِ قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ كَمَنْ تَكُونُ مَقْرُونَةَ الْحَاجِبَيْنِ فَتُزِيلُ مَا بَيْنَهُمَا تَوَهُّمُ الْبَلَجَ أَوْ عَكْسَهُ، وَمَنْ تَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَتَقْلَعُهَا أَوْ طَوِيلَةٌ فَتَقْطَعُ مِنْهَا أَوْ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَتُزِيلُهَا بِالنَّتْفِ، وَمَنْ يَكُونُ شَعْرُهَا قَصِيرًا أَوْ حَقِيرًا فَتُطَوِّلُهُ أَوْ تُعزِّرُهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ. وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى -. قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ وَالْأَذِيَّةُ كَمَنْ يَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ تُعِيقُهَا فِي الْأَكْلِ أَوْ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ تُؤْذِيهَا أَوْ تُؤْلِمُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَالرَّجُلُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute