بِالْوَاصِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَامِلِ، فَإِنَّ فِي الْمُكَافَأَةِ نَوْعَ صِلَةٍ، بِخِلَافِ مَنْ إِذَا وَصَلَهُ قَرِيبُهُ لَمْ يُكَافِئْهُ فَإِنَّ فِيهِ قَطْعًا بِإِعْرَاضِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، وَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْي الْوَصْلِ ثُبُوتُ الْقَطْعِ فَهُمْ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: مواصِلٌ وَمُكَافِئٌ وَقَاطِعٌ، فَالْوَاصِلُ: مَنْ يَتَفَضَّلُ وَلَا يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمُكَافِئُ: الَّذِي لَا يَزِيدُ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا يَأْخُذُ، وَالْقَاطِعُ: الَّذِي يُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَفَضَّلُ. وَكَمَا تَقَعُ الْمُكَافَأَةُ بِالصِّلَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، كَذَلِكَ تقَعُ بِالْمُقَاطَعَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَمَنْ بَدَأَ حِينَئِذٍ فَهُوَ الْوَاصِلُ، فَإِنْ جُوزِيَ سُمِّيَ مَنْ جَازَاهُ مُكَافِئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٦ - بَاب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
٥٩٩٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ. وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ: أَتَحَنَّثُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَصَالِحٌ وَابْنُ الْمُسَافِرِ أَتَحَنَّثُ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ التَّبَرُّرُ. وَتَابَعَه هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ) أَيْ هَلْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ؟ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
قَوْلُهُ: (هَلْ كَانَ لِي فِيهَا أَجْرٍ)؟ وَهُوَ تَفْسِيرُ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَفِيهَا أَجْرٌ؟ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مُسَافِرٍ هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟.
قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ أَتَحَنَّثُ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ وَفَاعِلُ قَالَ هُوَ الْبُخَارِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْيَمَانِ أَتَحَنَّتُ) يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ الْمُثَلَّثَةِ، يُشِيرُ إِلَى مَا أَوْرَدَهُ هُوَ فِي بَابِ شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِيِّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِلَفْظِ كُنْتُ أَتَحَنَّتُ أَوْ أَتَحَنَّثُ بِالشَّكِّ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ بِالْوَجْهَيْنِ ; وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مَا صَوَّبَهُ عِيَاضٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: أَتَحَنَّتُ بِالْمُثَنَّاةِ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا، انْتَهَى. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَتَجَنَّبُ بِجِيمٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ فَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: يُقَالُ: أَتَجَنَّبُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَالتَّجَنُّبُ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّحَنُّثُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِنْثِ وَهُوَ الْإِثْمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَتَوَقَّى مَا يُؤَثِّمُ. قُلْتُ: وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ تَقْوَى رِوَايَةُ أَتَجَنَّبُ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَيَكُونُ التَّرَدُّدُ فِي اللَّفْظَتَيْنِ وَهْمًا أَتَحَنَّثُ بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ وَأَتَجَنَّبُ بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ تَوَقِّي مَا يُوقِعُ فِي الْإِثْمِ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَوَقِّي الْإِثْمَ فقط بَلْ أَعْلَى مِنْهُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْبِرِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ الْمُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ) يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ، أَمَّا رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الزَّكَاةِ، وَهِيَ فِي بَابِ فَمَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَزَاهَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ أَرَهَا فِيهَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ صَالِحٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ فَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنُ الْمُسَافِرِ فَكَذَا وَقَعَ هُنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ بِحَذْفِهِمَا، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute