للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُقَالُ لَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَقَصَّ الْقِصَّةَ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ التَّعَدُّدَ فِي الصَّنِيعِ مَعَ الضَّيْفِ وَفِي نُزُولِ الْآيَةِ، قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: وَقِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا، وَرَوَى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْقَاضِي أَحَدُ الضُّعَفَاءِ الْمَتْرُوكِينَ فِي كِتَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ لَهُ أَنَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَالصَّوَابُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ لَكِنَّهُ قَالَ: أَظُنُّهُ غَيْرَ أَبِي طَلْحَةَ زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الْمَشْهُورِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَهْلٍ مَشْهُورٌ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ

وَالثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَتَعَشَّى بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى إِطْفَاءِ الْمِصْبَاحِ، وَأَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ كَانَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنَ التَّقَلُّلِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِبْعَادَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا قُوتَ صِبْيَانِي) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ تَعَشَّيَا وَكَانَ صِبْيَانُهُمْ حِينَئِذٍ فِي شُغْلِهِمْ أَوْ نِيَامًا فَأَخَّرُوا لَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ، أَوْ نَسَبُوا الْعَشَاءَ إِلَى الصِّبْيَةِ لِأَنَّهُمْ إِلَيْهِ أَشَدُّ طَلَبًا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، وَفِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا: فَأَصْبَحَا طَاوِيَيْنِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ أَوْقِدِيهِ.

قَوْلُهُ: (نَوِّمِي صِبْيَانَكِ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (فَجَعَلَا يُرَيَانِهِ كَأَنَّهُمَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ الْكَافِ مِنْ كَأَنَّهُمَا، وَقَوْلُهُ: طَاوِيَيْنِ أَيْ بِغَيْرِ عَشَاءٍ.

قَوْلُهُ: (ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا) فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ مِنْ صَنِيعِكَ وَفِي رِوَايَةِ التَّفْسِيرِ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ وَنِسْبَةُ الضَّحِكِ وَالتَّعَجُّبِ إِلَى اللَّهِ مَجَازِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرِّضَا بِصَنِيعِهِمَا (١)، وَقَوْلُهُ: فَعَالِكُمَا فِي رِوَايَةٍ فِعْلِكُمَا بِالْإِفْرَادِ، قَالَ فِي الْبَارِعِ: الْفَعَالُ بِالْفَتْحِ اسْمُ الْفِعْلِ الْحَسَنِ مِثْلُ الْجُودِ وَالْكَرْمِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الْفَعَالُ بِالْفَتْحِ فِعْلُ الْوَاحِدِ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً يُقَالُ: هُوَ كَرِيمُ الْفَعَالِ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ، وَالْفِعَالُ بِالْكَسْرِ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ مَصْدَرُ فَاعِلٍ مِثْلَ قَاتَلَ قِتَالًا.

قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أُهْدِيَ لِرَجُلٍ رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى هَذَا فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ سَبْعَةٍ، فَنَزَلَتْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ كُلِّهِ، قِيلَ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى نُفُوذِ فِعْلِ الْأَبِ فِي الِابْنِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ مَطْوِيًّا عَلَى ضَرَرٍ خَفِيفٍ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عُرِفَ بِالْعَادَةِ مِنَ الصَّغِيرِ الصَّبْرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

١١ - بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ : اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ

٣٧٩٩ - حَدَّثَنِي مُحمودُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ، وَالْعَبَّاسُ بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ


(١) ليت المصنف نزه كتابه عن بيان غير بيان رسول الله واكتفى بأن قال: ضحك وعجب يليق بجلاله ﷿. والكلام في الصفات كالكلام في الذات: اثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين، وتابعيهم إلى يوم الدين.