إِلَخْ) سَاقَ هَذِهِ الطَّرِيقَ لِتَصْرِيحِ عَوْنٍ فِيهَا بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَسَمَاعِ أَبِيهِ لَهُ مِنَ الْبَرَاءِ، وَقَدْ وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ النَّضْرِ وَلَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ، وَسَاقَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّضْرِ بِلَفْظِ: فَقَالَ: هَذِهِ يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَجْرِ لِلتَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرٌ، فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إِنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُ مَنْ نَسَخَ الْكِتَابِ وَلَمْ يُمَيِّزْ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ خَالِدٍ ثَانِيَ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ﷺ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ حِينَ سَمِعَ أَصْوَاتَ يَهُودَ، لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ وَيَأْمُرُ بِالتَّعَوُّذِ مَعَ عَدَمِ سَمَاعِ الْعَذَابِ، فَكَيْفَ مَعَ سَمَاعِهِ. قَالَ: وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَغْمَاضِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ مِثْلَ ذَلِكَ الصَّوْتِ يَتَعَوَّذُ مِنْ مِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى) هُوَ ابْنُ أَسَدٍ، وَبِنْتُ خَالِدٍ اسْمُهَا أَمَةُ وَتُكَنَّى أُمَّ خَالِدٍ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدِ بِنْتَ خَالِدٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ غَيْرَهَا. فَذَكَرَهُ. وَوَقَعَ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُوسَى بِلَفْظِ: اسْتَجِيرُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو) زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ: وَيَقُولُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ.
٨٨ - بَاب عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ
١٣٧٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِالذِّكْرِ تَعْظِيمُ أَمْرِهِمَا، لَا نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُمَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِمَا حَصْرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِمَا، لَكِنِ الظَّاهِرُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِهِمَا أَنَّهُمَا أَمْكَنُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْقَبْرَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ لِلْغِيبَةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ النَّمِيمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغِيبَةَ تُلَازِمُ النَّمِيمَةَ؛ لِأَنَّ النَّمِيمَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ضَرْبَيْنِ: نَقْلُ كَلَامِ الْمُغْتَابِ إِلَى الَّذِي اغْتَابَهُ، وَالْحَدِيثُ عَنِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ. قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى النَّمِيمَةِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْغِيبَةِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّمِيمَةِ أَعْظَمُ، وَإِذَا لَمْ تُسَاوِهَا لَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعْذِيبِ عَلَى الْأَشَدِّ التَّعْذِيبُ عَلَى الْأَخَفِّ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَى مَعْنَى التَّوَقُّعِ وَالْحَذَرِ، فَيَكُونُ قَصَدَ التَّحْذِيرَ مِنَ الْمُغْتَابِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ نَصِيبٌ. انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ الْغِيبَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الطَّهَارَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute