لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمِنْ ثَمَّ اكْتَفَى بِوَصْفِهِ بِالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَثْبُتْ أَمَانَتُهُ وَكِفَايَتُهُ وَعَقْلُهُ لَمَا اسْتَكْتَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْوَحْيَ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِالْعَقْلِ وَعَدَمِ الِاتِّهَامِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا إِشَارَةً إِلَى اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ لَهُ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ لَا نَتَّهِمُكُ مَعَ قَوْلِهِ عَاقِلٌ، لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْكِفَايَةِ وَالْأَمَانَةِ فَكَمْ مِنْ بَارِعٍ فِي الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ وُجِدَتْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ قَالَ وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَأَنَّ مَنْ سَبَقَ لَهُ عِلْمٌ بِأَمْرٍ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غ يْرِهِ إِذَا وَقَعَ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ، فَكَانَ يَكْتُبُ لَهُ إِلَى الْمُلُوكِ فَبَلَغَ مِنْ أَمَانَتِهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَكْتُبَ وَيَخْتِمَ وَلَا يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ اسْتَكْتَبَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، وَيَكْتُبُ إِلَى الْمُلُوكِ، وَكَانَ إِذَا غَابَا كَتَبَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَبَ لَهُ أَيْضًا أَحْيَانًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ اسْتَكْتَبَ نَصْرَانِيًّا فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ وَقَرَأَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾ الْآيَةَ.
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَاللَّهِ مَا تَوَلَّيْتُهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ فَقَالَ: أَمَا وَجَدْتَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَكْتُبُ لَا تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللَّهُ، وَلَا تَأْتَمِنْهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ، وَلَا تُعِزَّهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَلَّهُمُ اللَّه.
٣٨ - بَاب كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ وَالْقَاضِي إِلَى أُمَنَائِهِ
٧١٩٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى، ح. وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي قِفيرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمُحَيِّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ بِهِ فَكُتِبَ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ الدَّارَ قَالَ سَهْلٌ: فَرَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ.
قَوْلُهُ: بَابُ كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ عَامِلٍ، وَهُوَ الْوَالِي عَلَى بَلَدٍ مَثَلًا لِجَمْعِ خَرَاجِهَا أَوْ زَكَوَاتِهَا أَوِ الصَّلَاةِ بِأَهْلِهَا أَوِ التَّأْمِيرِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْقَاضِي إِلَى أُمَنَائِهِ) أَيِ الَّذِينَ يُقِيمُهُمْ فِي ضَبْطِ أُمُورِ النَّاسِ
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَقَتْلِهِ بِخَيْبَرَ وَقِيَامِ حُوَيِّصَةَ وَمَنْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ.
وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ - أَيْ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ - بِهِ أَيْ بِالْخَبَرِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ وَقَوْلُهُ هُنَا: فَكَتَبَ مَا قَتَلْنَاهُ، فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute