التَّفْسِيرِ: إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ مُرَّ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ رَدًّا عَلَيْهِ: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ الْآيَةَ. أَيْ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ فِي بَلَدٍ أَمِينٍ وَهُمْ مِنْهُ فِي أَمَانٍ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَمْنًا لَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمُوا وَتَابَعُوا الْحَقَّ. وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ. أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي بَابِ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قَرِيبًا هُنَاكَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
٤٤ - بَاب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا
وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الْبَادِي: الطَّارِئ. ﴿مَعْكُوفًا﴾ مَحْبُوسًا
١٥٨٨ - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ، فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ ﵄ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ - تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ الْآيَةَ.
[الحديث ١٥٨٨ - أطرافه في: ٣٠٥، ٤٢٨٢، ٦٧٦٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ تَوْرِيثُ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعُهَا وَشِرَائِهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً﴾ الْآيَةَ. أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إِلَّا السَّوَائِبَ، مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ وَإِرْسَالٌ، وَقَالَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنِ الْكِرَاءِ فِي الْحَرَمِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَنْ تُبَوَّبَ دُورُ مَكَّةَ لِأَنَّهَا يَنْزِلُ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَوَّبَ دَارَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ لِعُمَرَ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَكَّةُ مُبَاحٌ، لَا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلَا إِجَارَةُ بُيُوتِهَا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا إِجَارَتُهَا. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ أَبُو يُوسُفَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا سَيُجْمَعُ بِهِ مَا اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَضَافَ الْمِلْكُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنِ ابْتَاعَهَا مِنْهُ، وَبِقَوْلِهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ. فَأَضَافَ الدَّارَ إِلَيْهِ. وَاحْتَجَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ فَنَسَبَ اللَّهُ الدِّيَارَ إِلَيْهِمْ كَمَا نَسَبَ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَتِ الدِّيَارُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute