للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فِي حَالِ غَضَبِهِ - مَعَ نَهْيِهِ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ وَهُوَ غَضْبَانُ - لِأَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّلٌ بِمَا يُخَافُ عَلَى الْحَاكِمِ مِنَ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ، وَالنَّبِيُّ مَأْمُونٌ لِعِصْمَتِهِ مِنْ ذَلِكَ حَالَ السَّخَطِ.

٨ - بَاب شِرْبِ الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ

٢٣٦٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنْ الْحَرَّةِ ليَسْقِي بِه النَّخْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : اسْقِ يَا زُبَيْرُ - فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ - ثُمَّ أَرْسِله إِلَى جَارِكَ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: آن كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ: اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حتى يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ - وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ فقَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: فَقَدَّرَتْ الْأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ : اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ. وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ شُرْبِ الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يُشِيرُ إِلَى مَا حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ تَقْدِيرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْأَمْرِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ بِلَفْظِ فِعْلِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِمْرَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِالْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمْ فِي مِقْدَارِ الشُّرْبِ اهـ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَمَرَهُ بِالْقَصْدِ وَالْأَمْرِ الْوَسَطِ مُرَاعَاةً لِلْجِوَارِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ، وَمِثْلُهَا لِمَعْمَرٍ فِي التَّفْسِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُ أَوَّلًا أَنْ يُسَامِحَ بِبَعْضِ حَقِّهِ عَلَى سَبِيلِ الصُّلْحِ، وَبِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ إِذَا أَشَارَ الْإِمَامُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ الْأَنْصَارِيُّ بِذَلِكَ اسْتَقْصَى الْحُكْمَ وَحَكَمَ بِهِ.

وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ فَسْخِ الْحَاكِمِ حُكْمَهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ شَاءَ فَقَدَّمَ الْأَسْهَلَ إِيثَارًا لِحُسْنِ الْجِوَارِ، فَلَمَّا جَهِلَ الْخَصْمُ مَوْضِعَ حَقِّهِ رَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ الْأَوَّلِ وَحَكَمَ بِالثَّانِي لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، قَالَ: وَقِيلَ بَلِ الْحُكْمُ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلِ الْخَصْمُ ذَلِكَ عَاقَبَهُ بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ ثَانِيًا عَلَى مَا بَدَرَ مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِالْأَمْوَالِ اهـ.

وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَسِيَاقُ طُرُقِ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ كَمَا تَرَى، لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ: وَاسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صْرِيحِ الْحُكْمِ وَهِيَ رِوَايَةُ شُعَيْبٍ فِي الصُّلْحِ وَمَعْمَرٍ فِي التَّفْسِيرِ، فَمَجْمُوعُ الطُّرُقِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الزُّبَيْرَ أَوَّلًا أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَثَانِيًا أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حَقِّهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ) الْقَائِلُ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَاوِي الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (فَقَدَّرَتِ الْأَنْصَارُ وَالنَّاسُ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْجَدْرَ يَخْتَلِفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ قَاسُوا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْقِصَّةُ فَوَجَدُوهُ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِعْيَارًا لِاسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ هُنَا مَنْ يَكُونُ مَبْدَأُ الْمَاءِ مِنْ نَاحِيَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُرَادُ بِهِ