قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَرِثُهُ ذُو فَرْضٍ بِحَالٍ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ لَوْ كَانَ بِنْتًا حَلَّ لِلْمُلَاعِنِ نِكَاحُهَا، وَهُوَ وجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَحْرُمُ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ.
٣٦ - بَاب قَوْلِ الْإِمَامِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ
٥٣١٦ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ جعدا سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَه عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا الدُّعَاءِ طَلَبَ ثُبُوتِ صِدْقِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ تَلِدَ لِيَظْهَرَ الشَّبَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ دَلَالَتُهَا بِمَوْتِ الْوَلَدِ مَثَلًا فَلَا يَظْهَرُ الْبَيَانُ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ رَدْعُ مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ عَنِ التَّلَبُّسِ بِمِثْلِ مَا وَقَعَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْقُبْحِ وَلَوِ انْدَرَأَ الْحَدُّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ) ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَكَذَا رِوَايَةُ اللَّيْثِ السَّابِقَةُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَعَتْ فِيهَا تَسْوِيَةٌ، وَيَحْيَى وَإِنْ كَانَ سَمِعَ مِنَ الْقَاسِمِ لَكِنَّهُ مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مِنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَأَخَّرَتْ إِلَى وَضْعِ الْمَرْأَةِ لَكِنْ قَدْ أَوْضَحْتُ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ هِيَ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَتَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ اللِّعَانَ وَقَعَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَاعَنَ مُعَقَّبَةً بِقَوْلِهِ: فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا إِلَخْ فَهُوَ كَلَامٌ اعْتَرَضَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ - عَلَى بُعْدٍ - أَنْ تَكُونَ الْمُلَاعَنَةُ وَقَعَتْ مَرَّةً بِسَبَبِ الْقَذْفِ وَأُخْرَى بِسَبَبِ الِانْتِفَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ) هَذَا السَّائِلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمَّاهُ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.
قَوْلُهُ: (كَانَتْ تُظْهَرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ) أَيْ كَانَتْ تُعْلِنُ بِالْفَاحِشَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَلَا اعْتِرَافٍ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِيهِ جَوَازُ عَيْبِ مَنْ يَسْلُكُ مَسَالِكَ السُّوءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُسَمِّهَا. فَإِنْ أَرَادَ إِظْهَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْإِبْهَامِ فَمُحْتَمَلٌ، وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْسِيرِ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ أَيْ لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ، أَيْ أَنَّ اللِّعَانَ يَدْفَعُ الْحَدَّ عَنِ