للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَفِيهِ أَنَّ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لَا مَا زَادَتْهُ السُّنَّةُ فَيُنْدَبُ (١). وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِهِ وَلُطْفُ مُعَاشَرَتِهِ، وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي الْمَجْلِسِ لِلْمَصْلَحَةِ. وَقَدِ اسْتُشْكِلَ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ لَهُ عَلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ فَاسِدَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَخَلَّ بِبَعْضِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ بِفِعْلِ مَا يَجْهَلُهُ مَرَّاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا فَيَتَذَكَّرُهُ فَيَفْعَلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ الْخَطَأِ، بَلْ مِنْ بَابِ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ نَحْوَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُعَلِّمْهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفِ غَيْرِهِ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْمُجْزِئَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْدِيدُهُ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ عَلَيْهِ، وَرَأَى أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَفُتْهُ، فَرَأَى إِيقَاظَ الْفِطْنَةِ لِلْمَتْرُوكِ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ التَّقْرِيرُ بِدَلِيلٍ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنِ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي زِيَادَةِ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ بَعْدَ تَكْرَارِ فِعْلِهِ وَاسْتِجْمَاعِ نَفْسِهِ وَتَوَجُّهِ سُؤَالِهِ مَصْلَحَةً مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّعْلِيمِ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْفَوَاتِ، إِمَّا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، أَوْ بِوَحْيٍ خَاصٍّ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا سَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ لَمْ يَسْتَكْشِفِ الْحَالَ مِنْ مَوْرِدِ الْوَحْيِ، وَكَأَنَّهُ اغْتَرَّ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ فَسَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ زَجْرًا لَهُ وَتَأْدِيبًا وَإِرْشَادًا إِلَى اسْتِكْشَافِ مَا اسْتَبْهَمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا طَلَبَ كَشْفَ الْحَالِ مِنْ مَوْرِدِهِ أُرْشِدَ إِلَيْهِ. انْتَهَى.

لَكِنْ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ، لِأَنَّهُ إِنْ تَمَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَمْ يَتِمَّ لَهُ فِي الْأُولَى، لِأَنَّهُ بَدَأَهُ لَمَّا جَاءَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِقَوْلِهِ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَالسُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى تَقْرِيرِهِ لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى: كَيْفَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا؟ لَكِنَّ الْجَوَابَ يَصْلُحُ بَيَانًا لِلْحِكْمَةِ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لِكَوْنِ مَا لَيْسَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا، قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَأَنَّ الْمُفْتِيَ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَكَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِلُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ لَا مِنَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ كَوْنُهُ قَالَ: عَلِّمْنِي؛ أَيِ الصَّلَاةَ. فَعَلَّمَهُ الصَّلَاةَ وَمُقَدِّمَاتِهَا.

١٢٣ - بَاب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ

٧٩٤ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.

[الحديث ٧٩٤ - أطرافه في: ٤٩٦٨، ٤٩٦٧، ٤٢٩٣، ٨١٧]

قَوْلُهُ: (بَابُ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ) تَرْجَمَ بَعْدَ هَذَا بِأَبْوَابِ التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَسَاقَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَابِ، فَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الرُّكُوعِ بِالدُّعَاءِ دُونَ التَّسْبِيحِ - مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ -؛ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِشَارَةَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الدُّعَاءَ فِي الرُّكُوعِ كَمَالِكٍ، وَأَمَّا التَّسْبِيحُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، فَاهْتَمَّ هُنَا بِذِكْرِ الدُّعَاءِ لِذَلِكَ. وَحُجَّةُ الْمُخَالِفِ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ: فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. لَكِنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ التَّعْظِيمُ فِي السُّجُودِ. وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ كُلَّهُ فِي الرُّكُوعِ وَكَذَا فِي السُّجُودِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ


(١) في هذا نظر. والصواب وجوب ما دلت السنة على وجوبه من الضوء كالمضمضة والاستنشاق، لأن النبي لأن السنة تفسر القرآن وما أمر به الرسول فهو مما أمر الله به لقوله تعالى ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ الاية. والله أعلم