للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَرَامًا مَحْضًا قَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي حَدِيثِ عُمَرَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ لِمَنْ شُغِلَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَخْذَ الرِّزْقِ عَلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ كَالْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَجُبَاةِ الْفَيْءِ وَعُمَّالِ الصَّدَقَةِ وَشَبَهِهِمْ، لِإِعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ عُمَرَ الْعُمَالَةَ عَلَى عَمَلِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَأْخُذُ الْأَجْرَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لِلْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْهَا حَقًّا لِقِيَامِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِيهَا، وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ هَلِ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ، ثَالِثُهَا إِنْ كَانَتِ الْعَطِيَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ فَهِيَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَمُسْتَحَبَّةٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ حَرُمَتْ، وَكَذَا إِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْحَرَامُ وَكَانَ الْآخِذُ مُسْتَحِقًّا فَيُبَاحُ، وَقِيلَ يُنْدَبُ فِي عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَدِيثُ ابْنِ السَّعْدِيِّ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ مِنْ وُجُوهِهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَخْذَ مَا جَاءَ مِنَ الْمَالِ عَنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْإِضَاعَةِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ التَّبْذِيرُ بِغَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا التَّرْكُ تَوْفِيرًا عَلَى الْمُعْطَى تَنْزِيهًا عَنِ الدُّنْيَا وَتَحَرُّجًا أَنْ لَا يَكُونَ قَائِمًا بِالْوَظِيفَةِ عَلَى وَجْهِهَا فَلَيْسَ مِنَ الْإِضَاعَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِي تَعْلِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّ الْآخِذَ أَعْوَنُ فِي الْعَمَلِ وَأَلْزَمُ لِلنَّصِيحَةِ مِنَ التَّارِكِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ كَانَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا بِالْعَمَلِ، فَقَدْ لَا يَجِدُّ جِدّ مَنْ أَخَذَ رُكُونًا إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِخِلَافِ الَّذِي يَأْخُذُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَشْعِرًا بِأَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَجِدُّ جِدّ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ وَأَنَّ الْمَالَ طَيِّبًا، كَذَا قَالَ: قَالَ: وَفِيهِ جَوَازُ الصَّدَقَةِ بِمَا لَمْ يُقْبَضْ إِذَا كَانَ لِلْمُتَصَدِّقِ وَاجِبًا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إِذَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ وَتَصَدَّقَ بِهِ طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ كَانَ أَفْضَلُ مِنْ تَصَدُّقِهِ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِيَدِهِ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ، فَإِنِ اسْتَوَتْ عِنْدَ أَحَدِ الْحَالَانِ فَمَرْتَبَتُهُ أَعْلَى، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ وَبَيَّنَ لَهُ جَوَازَ تَمَوُّلِهِ إِنْ أَحَبَّ أَوِ التَّصَدُّقِ بِهِ. قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَالَ إِذَا جَاءَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَإِنَّ الرَّادَّ لَهُ يُعَاقَبُ بِحِرْمَانِ الْعَطَاءِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فِيهِ ذَمُّ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ وَالتَّشَوُّفِ إِلَى فُضُولِهِ وَأَخْذِهِ مِنْهُمْ، وَهِيَ حَالَةٌ مَذْمُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالرُّكُونِ إِلَى التَّوَسُّعِ فِيهَا، فَنَهَى الشَّارِعُ عَنِ الْأَخْذِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْمُومَةِ قَمْعًا لِلنَّفْسِ وَمُخَالَفَةً لَهَا فِي هَوَاهَا انْتَهَى. وَتَقَدَّمَتْ سَائِرُ مَبَاحِثِهِ وَفَوَائِدِهِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

١٨ - بَاب مَنْ قَضَى وَلَاعَنَ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ ، وَقَضَى شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ.

٧١٦٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ:، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

٧١٦٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: