أَوِ اثْنَيْنِ بِحَسَبِ تَمَامِ الشَّهْرِ وَنُقْصَانِهِ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: الْتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالْخَمْسِ أَيْ: فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥ - بَاب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
٢٠٢٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابن عيينة، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: فِي رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي يَعْفُورَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَلِأَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ وَهُوَ أَبُو يَعْفُورَ الْمَذْكُورُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، وَلَهُمْ أَبُو يَعْفُورَ آخَرُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ اسْمُهُ وَقْدَانُ.
قَوْلُهُ: (إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ) أَيِ: الْأَخِيرُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (شَدَّ مِئْزَرَهُ) أَيِ: اعْتَزَالَ النِّسَاءَ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ … عَنِ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِدَّ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا يُقَالُ: شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي، أَيْ: تَشَمَّرْتُ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّشْمِيرُ وَالِاعْتِزَالُ مَعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ، كمن يَقُولُ: طَوِيلُ النِّجَادِ، لِطَوِيلِ الْقَامَةِ، وَهُوَ طَوِيلُ النِّجَادِ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ الْمُرَادُ شَدَّ مِئْزَرَهُ حَقِيقَةً فَلَمْ يَحُلَّهُ وَاعْتَزَلَ النِّسَاءَ وَشَمَّرَ لِلْعِبَادَةِ. قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ الْمَذْكُورَةِ: شَدَّ مِئْزَرَهُ وَاعْتَزَلَ النِّسَاءَ فَعَطَفَهُ بِالْوَاوِ فَيَتَقَوَّى الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (وَأَحْيَا لَيْلَهُ) أَيْ: سَهِرَهُ، فَأَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ وَأَحْيَا نَفْسَهُ بِسَهَرِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَأَضَافَهُ إِلَى اللَّيْلِ اتِّسَاعًا؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ إِذَا حَيِيَ بِالْيَقِظَةِ أَحْيَا لَيْلَهُ بِحَيَاتِهِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا أَيْ: لَا تَنَامُوا فَتَكُونُوا كَالْأَمْوَاتِ فَتَكُونَ بُيُوتُكُمْ كَالْقُبُورِ.
قَوْلُهُ: (وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إِلَّا أَقَامَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ اعْتِزَالَهُ النِّسَاءَ كَانَ بِالِاعْتِكَافِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ: وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْبَيْتِ، فَلَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا لَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ: اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَكِفْ أَحَدٌ مِنْهُنَّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوقِظَهُنَّ مِنْ مَوْضِعِهِ وَأَنْ يُوقِظَهُنَّ عِنْدَمَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ لِحَاجَتِهِ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي آخِرِ بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ هُبَيْرَةُ مَعَ الْمُخْتَارِ يُجْهِزُ عَلَى الْقَتْلَى، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمْ أُخْرِجْ حَدِيثَ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ لِهَذَا، وَلَمْ أُخْرِجْ حَدِيثَ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِأَنَّ عَامَّةَ حَدِيثِهِ مُضْطَرِبٌ انْتَهَى. وَأَرَادَ بِحَدِيثِ هُبَيْرَةَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ مَرْيَمَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتَ بِوَزْنِ عَظِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي